بقلم : الدكتور / علي بن عمر بادحدح
يرتكز العمل الخيري على أصول خمسة، يستمد منها مشروعيته ويظهر فيها تطبيقه العملي في المجتمع المسلم، هذه الأصول هي:
أولاً: العمل الخيري ركن ديني
فالزكاة ركن من أركان الإسلام، قال تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة{ ،} يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض}، {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله فريضة من الله والله عليم حكيم}.
وقال صلى الله عليه وسلم: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا).
عن بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن فقال: (ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؛ فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ؛ فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم ) (صحيح البخاري ج2/ص505، ومسلم ج1/ص50).
وعن أنس بن مالك رصي الله عنه قال : أتى رجل من بني تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني ذو مال كثير ، وذو أهل ومال وحاضرة فأخبرني كيف أصنع، وكيف أنفق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تخرج الزكاة من مالك ؛ فإنها طهرة تطهرك ، وتصل أقرباءك ، وتعرف حق المسكين والجار والسائل ، فقال يا رسول الله أقلل لي ، فقال : آت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ، فقال : يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله ؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها ولك أجرها وإثمها على من بدلها ) (مجمع الزوائد ج3/ص63 وقال رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح ).
عن عبد الله بن معاوية الغاضري من غاضرة قيس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا الله ، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه رافدة عليه كل عام ولا يعطي الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة ولكن من وسط أموالكم فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره) {سنن أبي داود ج2/ص103}.
وعن بريدة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين ) {مجمع الزوائد ج3/ص65 وقال رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات }.
ثانياً: العمل الخيري هدي نبوي
• محبة قلبية
فقد كان صلى الله عليه وسلم يحب الإنفاق في سبيل الله تعالى، فعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم التفت إلى أحد فقال : (والذي نفسي بيده ما يسرني أن أحدا تحول لآل محمد ذهبا أنفقه في سبيل الله أموت يوم أموت أدع منه دينارين إلا دينارين أعدهما للدين إن كان ) {الترغيب والترهيب ج2/ص30 وقال رواه أحمد وأبو يعلى وإسناد أحمد جيد قوي وقال في مجمع الزوائد ج3/ص123 رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات}.
مبادرة عملية
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يحب الإنفاق فحسب بل كان صلى الله عليه وسلم يبادر إليه، ولا يترك عنده من المال شيئاً إلا وينفقه في سبيل الله، ويتجلى ذلك في الصور التالية:
عن عقبة قال : صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر ، فسلم ثم قام مسرعا فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه ، ففزع الناس من سرعته ! فخرج عليهم فرأى أنهم عجبوا من سرعته فقال: ( ذكرت شيئا من تبر عندنا فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته ) {صحيح البخاري ج1/ص291 }.
عن عائشة أنهم ذبحوا شاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما بقي منها ؟ قالت : ما بقي منها إلا كتفها قال: ( بقي كلها غير كتفها ) {سنن الترمذي ج4/ص644 قال أبو عيسى هذا حديث صحيح} .
عن بن عباس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ) {صحيح البخاري ج1/ص6}.
دعوة ترغيبية
فقد أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنفاق وأنفق وحث أصحابه على الإنفاق في سبيل الله ، عن أسماء رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله ما لي مال إلا ما أدخل علي الزبير فأتصدق ! قال : ( تصدقي ولا توعي فيوعى عليك ) {صحيح البخاري ج2/ص915}.
عن أسماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعي الله عليك ) {صحيح البخاري ج2/ص915 }
وقال في خطبة يحث فيها أصحابه على الإنفاق: (.. تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره حتى قال ولو بشق تمرة) {صحيح مسلم ج2/ص705 }.
عن مسروق ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على بلال وعنده صبر من تمر ، فقال : ما هذا يا بلال قال أعد ذلك لأضيافك فقال : ( أما تخشى أن يكون له دخان في نار جهنم أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا ) {مجمع الزوائد ج10/ص241 وقال رواه البزار والطبراني وإسنادهما حسن إلا أن الطبراني قال في حديثه أما تخشى أن يفور له بخار }.
عن عمرو بن الحارث ، عن زينب امرأة عبد الله بمثله سواء قالت : كنت في المسجد فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( تصدقن ولو من حليكن ) ، وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها ، قال : فقالت لعبد الله : سل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيجزي عني أن أنفق عليك وعلى أيتامي في حجري من الصدقة ؟ فقال : سلي أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت امرأة من الأنصار على الباب حاجتها مثل حاجتي ، فمر علينا بلال فقلنا : سل النبي صلى الله عليه وسلم أيجزي عني أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري ؟ وقلنا : لا تخبر بنا ، فدخل فسأله فقال : من هما ؟ قال : زينب ، قال : أي الزيانب ؟ قال : امرأة عبد الله ، قال صلى الله عليه وسلم: ( نعم لها أجران أجر القرابة وأجر الصدقة ) {صحيح البخاري ج2/ص533، صحيح مسلم ج2/ص694 }.
ثالثاً: العمل الخيري تشريع إسلامي:
لقد شرع الله الإنفاق وفرضه في الزكاة، وجعل مصارف أخرى للإنفاق، وجعل فيه الأجر العظيم، فمنهاما يكون تكفيراً عن الوقوع في خطأ أو حنث يمين أو غير ذلك أو تحقيقاً لنذر أو وقفاً في سبيل الله تعالى أو غير ذلك، ومن أوجه الإنفاق في الشريعة الإسلامية غير الزكاة:
الكفارات: ففي كفارة الظهار وكفارة الجماع في نهار رمضان: ففي الظهار: قال تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لكا قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا }… {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا}.
وفي الحديث عن عائشة أنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم في ظل فارع فأتاه رجل من بني بياضة فقال : يا نبي الله احترقت ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما لك ؟! قال : وقعت بامرأتي وأنا صائم – وذلك في رمضان – فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : اعتق رقبة ! قال : لا أجده قال : أطعم ستين مسكيناً …) {صحيح ابن خزيمة ج3/ص219 }.
وفي كفارة اليمين: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين لله لكم آياته لعلكم تشكرون}.
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : جاء النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا بمكة ، وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها ، قال : يرحم الله بن عفراء ، قلت يا رسول الله : أوصي بمالي كله ؟! قال : لا ، قلت : فالشطر ؟! قال : لا ، قلت : الثلث ؟! قال : فالثلث والثلث كثير ، إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم ، وإنك مهما أنفقت من نفقة ؛ فإنها صدقة حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك ) {صحيح البخاري ج3/ص1006 }.
وقدم الشارع تنفيذ وصية المتوفى فيما دون الثلث على تقسيم الإرث ، فقال تعالى: {من بعد وصية يوصي بها أو دين}.
وأما الوقف ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أصاب عمر بخيبر أرضاً ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أصبت أرضاًلم أصب مالا قط أنفس منه فكيف تأمرني به ؟! قال : إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها ، فتصدق عمر أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث في الفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقا غير متمول فيه ) {صحيح البخاري ج3/ص1019، صحيح مسلم ج3/ص125.}
وكذلك الصدقة عن الميت، فعن ابن عباس أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها ، فهل ينفعها شيء إن تصدقت به عنها ؟ قال : نعم ، قال : فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها ) {صحيح البخاري ج3/ص1015 }.
ومن أبواب الإنفاق الخيرية في الإسلام تفطير الصائم،عن زيد بن خالد الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا ) {سنن الترمذي ج3/ص171قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح }
وفي الأضحية حث النبي صلى الله عليه وسلم على الإطعام منها، عن سلمة بن الأكوع قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء) ، فلما كان العام المقبل قالوا : يا رسول الله نفعل كما فعلنا عام الماضي ! قال: (كلوا وأطعموا وادخروا ؛ فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا فيها ).
رابعاً: العمل الخيري عمل إنساني
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : بينما رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها ، ثم خرج ، فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش ، فقال : لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي ! فملأ خفه ، ثم أمسكه بفيه ، ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له ، قالوا : يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجراً ؟! قال : في كل كبد رطبة أجر .{ صحيح البخاري ج2/ص833، صحيح مسلم ج4/ص1761 }
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به) { صحيح البخاري ج3/ص1279 }.
خامساً: العمل الخيري في التاريخ الإسلامي
لقد كان التاريخ الإسلامي حافلاً بصور مشرقة من العمل الخيري، من ذلك لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة لم يبق في خلافته فقير يأخذ الزكاة، فأمر بإعتاق الرقاب.
-كان حماد بن أبي سليمان ذا دنيا متسعة وكان يفطر في رمضان خمس مائة إنسان ويعطيهم بعد العيد لكل واحد مائة درهم . {نزهة الفضلاء 2/598 }.
وكان زين العابدين يحمل الطعام إلى بيوت الفقراء في المدينة، فقد كان ناس يعيشون لا يدرون من أين يأتيهم معاشهم فلما مات فقدوا ذلك الذي كان يأتيهم، ولما غسلوه وجدوا على ظهره أثراً مما كان ينقل الجرب بالليل إلى منازل الأرامل .وكان يعول مائة بيت . {ينظر: نزهة الفضلاء 2/518-519 }.
يسلموووووووووو
شهرزاد
على الطرح