الثلاثاء 8-5-2012
قام مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بكشف القليل من التفاصيل الخاصة، بوضع اسم سكرتيرة ماتت عن عمر يناهز 21 عاما ضمن قائمة الجواسيس الذين لاقوا حتفهم. ففي أثناء حفل التأبين السنوي لموظفي الوكالة الذين لقوا حتفهم أثناء تأدية واجبهم، أعلن ليون بانيتا، مدير وكالة الاستخبارات المركزية في ذلك الوقت، إضافة اسم جديد لـ«كتاب الشرف الخاص بوكالة الاستخبارات المركزية»، وهو باربرا روبنز، التي تطوعت بالذهاب إلى سايغون خلال حرب فيتنام ولاقت حتفها في انفجار سيارة في السفارة الأميركية في عام 1965. وفي أثناء هذه المراسم الخاصة، التي أقيمت داخل البهو الرئيس للوكالة في العام الماضي، اعترفت وكالة الاستخبارات المركزية للمرة الأولى بعمل روبنز في الوكالة، لكن السكرتيرة القتيلة تحمل الكثير من الألقاب التاريخية التي تجعلها هدفا للفضول داخل الوكالة، حيث كانت أول امرأة تلقى حتفها أثناء أداء الواجب في وكالة الاستخبارات المركزية التي يسيطر عليها الذكور. وتعد روبنز أصغر موظف يلقى حتفه في الوكالة على الإطلاق، وتعتبر، طبقا بانيتا، أول امرأة أميركية تلقى حتفها في حرب فيتنام.
تصدرت عملية التفجير ووفاة روبنز العناوين الرئيسية للصحف الأميركية، وعلى الرغم من ذلك، تظل روبنز من أكثر الشخصيات التي يكتنفها الغموض داخل الوكالة. وزاد رفض وكالة الاستخبارات المركزية على مدى عقود الاعتراف علنا بانتماء روبنز إليها من حالة الغموض هذه، على الرغم من الالتماسات التي تقدمت بها عائلاتها والكتب التي وصفت تحدثت عنها بصورة موجزة. شعر وارين، شقيق روبنز وعضو الأسرة المباشر الوحيد المتبقي على قيد الحياة، بالابتهاج عندما قامت وكالة الاستخبارات المركزية بكتابة اسم أخته أخيرا في كتاب الشرف.
وبعد وفاة والديه، ورث وارين الشيء الوحيد الذي يشير إلى الأوقات التي قضتها شقيقته في فيتنام؛ 30 رسالة كتبتها روبنز لأسرتها بداية من تاريخ وصولها لسايغون حتى الأسبوع الذي سبق وفاتها.
توفر تلك الخطابات لمحة من حياة امرأة شابة من المفترض أنها كانت تعمل لدى وزارة الخارجية الأميركية، التي بدأت حياتها المهنية فيها، والتي كانت تبحث عن الحب وسط أعمال العنف المتزايدة في فيتنام.
يقول وارين، ميكانيكي طيران متقاعد يبلغ من العمر 65 عاما ولم يطالع تلك الخطابات منذ أن كان طفلا: «تعد قراءة تلك الخطابات بمثابة التعرف عليها من جديد». يعود أحد تلك الخطابات إلى 6 أغسطس (آب) عام 1964، حيث تقول روبنز: «والدتي ووالدي ووارين الأعزاء: أعتقد أنني سوف أستمتع حقا بالعمل في وزارة الخارجية الأميركية. وفيما يتعلق بالنواحي الأمنية، فينبغي علينا أن نتوخى الحذر، ولكننا ما كنا لنشعر بمثل هذا الشعور في سايغون لولا تواجد الشرطة الفيتنامية في كل مكان في المدينة».
وقبل سفرها إلى فيتنام، لم تكن روبنز قد غادرت الولايات المتحدة الأميركية قط، حيث ولدت في داكوتا الجنوبية وأمضت فترة طفولتها المبكرة في أيوا وكاليفورنيا ومعظم فترة شبابها في كولورادو. كان والدها، بوفورد، يعمل جزارا ومحاربا مخضرما في البحرية، بينما كانت ووالدتها، روث، ربة منزل. انضمت روبنز، أثناء المدرسة الثانوية، إلى نادي البولينغ، بينما كانت تواظب على الذهاب إلى الكنيسة اللوثرية في أيام الأحد.
التحقت روبنز بكلية السكرتارية بجامعة ولاية كولورادو في عام 1961، وبعدها بعامين تم تعيينها، بطريقة ما، في وكالة الاستخبارات المركزية، حيث كانت تريد مكافحة صعود الشيوعية. يقول وارين إن العائلة كانت على دراية بعملها لحساب وكالة الاستخبارات المركزية عندما ذهبت إلى واشنطن في عام 1963، ولكنهم اعتقدوا أن ذهابها إلى فيتنام كان في مهمة تابعة لوزارة الخارجية الأميركية. وبعد ثلاثة أسابيع من مهمتها في سايغون، أخبرت روبنز والديها أنه لا ينبغي عليهم القلق من العناوين التي تتصدر صحف الولايات المتحدة الأميركية. تقول روبنز في أحد الخطابات الذي يعود تاريخه إلى 25 أغسطس عام 1964: «ربما تعلمون.. بشأن المظاهرات التي قام بها الطلاب والتفجير الذي حدث في فندق كارافيل، ولكننا لا نتعرض لأي خطر على الإطلاق في السفارة. وفي الواقع، فأنا أتمشى من وإلى مكان عملي أثناء أوقات تناول الغداء ولا أشعر بأي مشكلة. أعلم أنكم ربما تشعرون بالقلق، ولكني أرجوكم أن تنسوا هذا الشعور».
كان مركز وكالة الاستخبارات المركزية في سايغون، الذي يقع في السفارة الأميركية، هو أكبر مركز تابع للوكالة، حيث كان يضم 400 موظفا في مختلف أرجاء البلاد، وذلك طبقا لمذكرات بير دي سيلفا، مدير مركز الوكالة في سايغون، التي تدعى «صب روزا» والتي تم نشرها في عام 1978. ومن الطابق الخامس في مبنى السفارة الأميركية، التي تقع في أحد التقاطعات المزدحمة بالقرب من نهر سايغون، كانت روبنز تتولى شؤون بطاقات تسجيل أوقات العمل الخاصة بالموظفين، بالإضافة إلى كتابة التقارير الاستخباراتية الخاصة بالضباط، التي كتب دي سيلفا بعضا منها، والتي كانت تخص تنظيم بعض القرويين في جيوش صغيرة للتجسس على حركة «الفيت كونغ».
كتبت روبنز أيضا في أحد الخطابات الذي يعود تاريخه إلى 7 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1964 لتقول: «لا أعلم كيف أمضيت الشهرين الأخيرين، فمن السهل جدا أن ننسى في أي يوم من الأيام نحن. أنا أحب عملي حقا، فلدي مجموعة كبيرة للغاية من الأشياء للقيام بها، والكثير منها مثير للاهتمام للغاية».
سيطر الطموح على حياة روبنز الاجتماعية أيضا، حيث أخبرت عائلتها بانضمامها لـ«سيركل سبورتيف»، وهو ناد اجتماعي يتفاخر باحتوائه على بركة سباحة وملاعب للتنس، الذي يشترك في عضويته عدد من كبار الدبلوماسيين ومسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية.
وقبل فترة قصيرة من عيد الشكر في عام 1964، سافرت روبنز بصحبة زميل لها في الوكالة إلى مدينة ناترانغ الساحلية، التي تعتبر بمثابة القاعدة للكثير من المسؤولين في الوكالة، ثم التقت بعدها بجندي في الجيش يدعى بيل ماكدونالد، حيث قام الاثنان باستئجار قارب صيد ثم ناما على بطنيهما لالتقاط صورة.
وفي تلك الصورة، يظهر ماكدونالد مبتسما، رافعا ساقيه إلى الأعلى مثل الأطفال. وحتى وفاته في عام 2024 عن عمر يناهز 66 عاما، لم ينسَ ماكدونالد أبدا تلك اللحظات الرومانسية، وذلك طبقا لكارين ماكدونالد، زوجته الثالثة، التي تشغل حاليا منصب مساعد المدعى العام في ولاية أريزونا الأميركية. قام ماكدونالد بنشر هذه الصورة على موقع تذكاري على الإنترنت خاص بروبنز.
اكتشفت أرملة ماكدونالد وجود رسالة في صندوق البريد الإلكتروني الخاص به، وكان قد كتبها في عام 2024، يقول فيها: «بعد مرور كل هذه السنوات، ما زلت أذكر كثيرا من الأوقات التي قضيناها أنا وباربرا سويا.. غالبا ما تزورني في أحلامي».
قصة حياة ومقتل أول موظفة في وكالة المخابرات المركزية الأميركية
مشكورة دلع
قصة حياة ومقتل أول موظفة في وكالة المخابرات المركزية الأميركية
مشكورة دلع
اختيار موفق
مشكوره دلع