تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ

يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ

قال الله عز وجل :﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾(الرحمن: 19- 23) .

أولاً- هذه الآيات الكريمات من سورة ( الرحمن ) ، وفي تعلقها بما قبلها قال الرازي :« لما ذكر تعالى المشرق والمغرب ، وهما حركتان في الفلك ، ناسب ذلك ذكر البحرين ؛ لأن الشمس والقمر يجريان في الفلك ؛ كما يجري الإنسان في البحر . قال تعالى :﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾(الأنبياء: 33) ، فذكر البحرين عقيب المشرقين والمغربين ؛ ولأن المشرقين والمغربين فيهما إشارة إلى البحر لانحصار البَّر والبحر بين المشرق والمغرب ؛ لكن البَّر كان مذكورًا بقوله تعالى :﴿ وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا ﴾(الرحمن: 10) ، فذكر ههنا ما لم يكن مذكورًا » .

وقال ابن عاشور في مقدمة تفسيره لهذه الآيات :« خبر آخر عن الرحمن ، قصد منه العبرة بخلق البحار والأنهار ؛ وذلك خلق عجيب دال على عظمة قدرة الله وعلمه وحكمته . ومناسبة ذكره عقب ما قبله أنه لما ذكر أنه سبحانه رب المشرقين ورب المغربين وكانت الأبحر والأنهار في جهات الأرض ، ناسب الانتقال إلى الاعتبار بخلقهما والامتنان بما أودعهما من منافع الناس » .

ثانيًا- وقوله تعالى :﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ﴾ من المَرْجِ . والمَرْجُ – في لغة العرب – له معان كثيرة ؛ منها : الإرْسالُ والخَلْطُ ، وبهما فُسِّرت الآية ؛ فقيل : مرج البحرين : خلطهما ، فالتقيا . وقيل : أرسلهما ، لا يلتبس أحدهما بالآخر . وهذا أولى بالمقام ، وهو من قولهم : مرَج الدابة ، بفتح الراء ، وأمرجها : أرسلها ترعى في المَرْج . أي : تركها تذهب حيث تشاء . والمَرْجُ : أرض واسعة فيها نبت كثير تُمرَجُ فيها الدواب . أما الأول فهو المرَجُ ، بالتحريك ، مصدر قولك : مَرِجَ الخاتَمُ في إصبعي ، بالكسر . أي : قَلِقَ . ومَرِجَ الدين والأمر : اختلط واضطرب . ومنه قولهم : الهَرْجُ والمَرْجُ . وسُكِّن لأجل الهَرْج ، ازدواجًا للكلام . وأمر مَريجٌ . أي مختلط . وقوله تعالى :﴿ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ ﴾(الرحمن: 15) المارج : لهب النار المختلط بسوادها . ومعنى الآية على الأول : أرسل البحرين ، لا يحبس ماءهما عن الجري برزخ . و﴿ يَلْتَقِيَانِ ﴾ : يتصلان ، بحيث يصب أحدهما في الآخر .

والمراد بالبرزخ الذي بينهما في قوله تعالى :﴿ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ﴾ : الحاجز الذي يفصل بين الماءين : العذب والملح ، بحيث لا يُغيِّر أحد البحرين طعم الآخر بجواره ؛ وذلك بما في كل ماء منهما من خصائص تدفع عنه اختلاط الآخر به . وهذا معنى :﴿ لَا يَبْغِيَانِ ﴾ . أي : لا يبغي أحدهما على الآخر . بمعنى : لا يغلب أحدهما على الآخر ، فيفسد كل واحد منهما الآخر ، ويزيله عن صفته التي هي مقصودة منه ؛ فاستعير لهذه الغلبة لفظ البغي الذي حقيقته الاعتداء والتظلم .

واللؤلؤ والمرجان في قوله تعالى :﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ﴾ حيوانان بحريَّان : أما اللؤلؤ فيهبط إلى الأعماق ، وهو داخل صدفة من المواد الجيرية ، تقيه من الأخطار . ويختلف هذا الحيوان عن الكائنات الحية في تركيبه ورقة معيشته ؛ فإنه شبكة دقيقة كشبكة الصياد عجيبة النسج ، تكون كمصفاة تسمح بدخول الماء والهواء والغذاء إلى جوفه ، وتحول بين الرمال والحصى وغيرها . وتحت الشبكة أفواه الحيوان ، ولكل فم أربع شفاه . فإذا دخلت ذرة رمل أو قطعة حصى أو حيوان ضار عنوة إلى الصدفة ، سارع الحيوان إلى إفراز مادة لزجة يغطيها بها ، ثم تتجمد مكونة لؤلؤة . وعلى حسب حجم تلك الذرة يختلف حجم اللؤلؤة .

وأما المرجان فيهبط إلى أعماق تتراوح بين خمسة أمتار وثلاثمائة متر ، ويثبت نفسه بطرفه الأسفل بصخرة أو عشب . وفتحة فمه التي في أعلى جسمه محاطة بعدد من الزوائد تستعملها في غذائه . فإذا لمست فريسة هذه الزوائد ، وكثيرًا ما تكون من الأحياء الدقيقة كبراغيث الماء ، أصيبت بالشلل في الحال ، والتصقت بها ، فتنكمش الزوائد نحو الفم ، حيث تدخل الفريسة إلى الداخل بقناة ضيقة تشبه مريء الإنسان . ومن دلائل قدرة الخالق أن حيوان المرجان يتكاثر بطريقة أخرى هي التذرُّر ، وتبقى الأزرار الناتجة متحدة مع الأفراد التي تذررت منها ، وهكذا تتكون شجرة المرجان التي تكون ذات ساق سميك ، تأخذ في الدقة نحو الفروع التي تبلغ غاية الدقة في نهايتها ، ويبلغ طول الشجرة المرجانية ثلاثين سنتيمترًا . والجزر المرجانية الحية ذات ألوان مختلفة ، نراها في البحار صفراء برتقالية ، أو حمراء قرنفلية ، أو زرقاء زمردية ، أو غبراء باهتة . والمرجان الأحمر هو المحور الصلب المتبقي بعد فناء الأجزاء الحية من الحيوان .

ثالثًا- واختلفوا في المراد من :﴿ الْبَحْرَيْنِ ﴾ على أوجه ؛ أصحها وأظهرها : أنه البحر العذب ، والبحر الملح ، بدليل قوله تعالى في آية أخرى :﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾(فاطر: 12) . والعرب تطلق عليهما معًا لفظ ( البحر ) ، والتعريف فيهما للعهد الجنسي .

واستشكلت الآية – على تفسير البحرين بالعذب والملح – بأن المشاهد خروج ( الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ ) من أحدهما ، وهو الملح ، فكيف قال تعالى :﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ﴾ ، واللؤلؤ والمرجان لا يخرجان إلا من البحر الملح ؟ وللعلماء في الإجابة عن ذلك أقوال ، ليس بعضها أولى من بعض :

أحدها : أنه لما التقى البحران وصارا كالشيء الواحد ، جاز أن يقال : يخرجان منهما ؛ كما يقال : يخرجان من البحر ، ولا يخرجان من جميعه ؛ ولكن من بعضه ؛ وكما تقول : خرجت من البلد ؛ وإنما خرجت من محلة من محالِّه . وقد ينسب إلى الاثنين ما هو لأحدهما ؛ كما يسند إلى الجماعة ما صدر من واحد منهم . وعلى هذا القول جمهور العلماء ، ونظير ذلك عندهم قوله تعالى :﴿ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ﴾(فاطر: 12) ؛ وإنما تخرج الحلية من الملح .

والثاني : أن العذب منهما كاللقاح للملح ؛ فهو كما يقال : الولد يخرج من الذكر والأنثى . أي : بواسطتهما .

والثالث : أنهما بحران ، يخرج من أحدهما اللؤلؤ ، ومن الآخر المرجان .

والرابع : أنه يتولد في ملتقاهما ثم يدخل الصدف في المالح عند انعقاد الدر فيه طالبًا للملوحة ؛ كالمتوحمة التي تشتهي الملوحة أوائل الحمل ، فيثقل هناك ، فلا يمكنه الدخول في العذب .

رابعًا- وهكذا اختلفت أقوالهم في الإجابة عن هذا الاستشكال المزعوم في الآية . وإذا اختلفت الأقوال ، لم يكن بعضها أولى من بعض ، فضلاً عن أنها مخالفة لكلام الله تعالى مخالفة صريحة . والصواب أن يقال : إن اللؤلؤ والمرجان يخرجان من البحرين كليهما ؛ كما نصَّت على ذلك الآية . وكلام الله تعالى – كما قال الرازي – أولى بالاعتبار من كلام بعض الناس . وأضاف قائلاً :« ومن أعلم أن اللؤلؤ لا يخرج من الماء العذب ؟ وهب أن الغواصين ما أخرجوه إلا من المالح ؛ ولكن لم قلتم : إن الصدف لا يخرج بأمر الله من الماء العذب إلى الماء الملح ؟ وكيف يمكن الجزم به والأمور الأرضية الظاهرة خفيت عن التجار الذين قطعوا المفاوز وداروا البلاد ، فكيف لا يخفى أمر ما في قعر البحر عليهم ؟ » .

وقال صاحب أضواء البيان :« واعلم أن ما ذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله وغيره من أجلاء العلماء في تفسير هذه الآية ، من أن قوله :﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ﴾ يراد به البحر الملح خاصة دون العذب غلط كبير لا يجوز القول به ؛ لأنه مخالف مخالفة صريحة لكلام الله تعالى ؛ لأن الله ذكر البحرين : الملح والعذب ، بقوله :﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾(فاطر: 12) ، ثم صرَّح باستخراج اللؤلؤ والمرجان منها جميعًا ، بقوله :﴿ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ﴾(فاطر: 12) ، والحلية المذكورة هي : اللؤلؤ والمرجان ، فقصره على الملح مناقض للآية صريحًا كما ترى » .. والله تعالى أعلم !

جزاك الله خير الجزاء

وجعله المولى سبحانه وتعالى فر موازين حسانتك

تحيتي

بارك الله فيك وفي مرورك الرائع

بارك الله فيكي حببتي دومتي متميزه ن5

كل الشكر الك غاليتي مرورك اسعدني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.