(تفسير قوله تعالى: "ولا تقف ما ليس لك به علم")
صالح السحيمي -حفظه الله-
شرح قوله تعالى: { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ }
الشيخ صالح السحيمي -حفظه الله-
محاضرة مفرغة *
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد :
أيها الإخوة في الله ! دَرْسُنا في هذه الليلة حول قوله سبحانه وتعالى : { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } [الإسراء: 36] .
وفي معنى هذه الآية قوله الله سبحانه وتعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] . وفي هذا المعنى – أيضًا – قول النبي – صلى الله عليه وسلم – : " كَفى بالمرءِ كذبًا أن يحدِّث بكل ما سمع " ، وقوله – صلى الله عليه وسلم – : " إياكم والظنَّ؛ فإن الظنَّ أكذب الحديث " ، قوله – عليه الصلاة والسلام-: " عليكم بالصدق؛ فإن الصدق … يهدي إلى الجنة ، وإياكم والكذبَ ؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار " . وقبل ذلك : قول الله سبحانه وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا } [الحجرات: 12] ، قول الله سبحانه وتعالى : {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا } [النور: 12] ، وقول الله سبحانه وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [الحجرات: 6] .
كثير من الناس ، وبخاصة عندما تكون الفتن والأحداث تكثر الإشاعات والبلبلة ، وكثير من الناس يهرف بما لا يعرف ، وآخر يتلقى ؛ فيذيع كل ما تلقى ؛ فكأنه إذاعة متنقلة ؛ كلَّما سمع مِن خبر طيب أو خبيث ، حسن أم قبيح ، صحيح أم كذب ، له حقيقة أم ليست له حقيقة !! ويا ليته يقف عند هذا الحد ، بل إنه ربما زاد وألزم بما لم يَلزم ، وحمَّل الكلام ما لا يحتمل ، وألزم الشخصَ الذي سمع منه ما لا يَلزم مِن قوله ، وكلَّفه ما لم يقل ، بل وتقوَّل عليه وزاد عليه ، وألزمه بأمور لم يعنِها ولم يقصدها ولم يُرِدْها .
يا عبد الله ! اِعلم أنَّ عليك حفظة وكَتَبة يكتبون كلَّ صغيرة وكبيرة مما تقول ومما تفعل ، والله تبارك وتعالى شاهد على الجميع ، وهو يعلم ذلك ولا يحتاج إلى هؤلاء الكتبة ، ولكن من باب إظهار قدرته وإقامة حجته على عباده ، { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ – كِرَامًا كَاتِبِينَ – يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [الانفطار: 10-12] ، ويقول تبارك تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ – إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ – مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق: 16-18] ، ويقول تبارك وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } [الأنفال: 24] .
أيها الإخوة في الله !
من الملاحظات على بعض الناس ، وربما وقع في هذا – أقول ربما وقع في هذا – بعض من ينتسب إلى العلم ، وبعض المنسوبين إلى طلاب العلم مَن يأخذ الخبر أو يتلقى الخبر ؛ فيرجف به ، أو يزيد فيه وينقله ، ولا يدري ما الذي يترتب عن هذه الإشاعات والإذاعات من الإفساد بين المؤمنين وبين طلاب العلم ، وبخاصة إذا كان ما يُفترى ويُقال ويُلبَّس به ، إذا كان منسوبًا إلى أحد من طلبة العلم أو العلماء ؛ فإن هذا في غاية الخطورة .
على طلاب العلم – وبخاصة الصغار – أن يلزموا الأدب ، وأن لا يُخرجوا الكلمة قبل أن يزنوها ويعرضوها على ميزان الشرع ويفكِّروا في عواقبها وما قد تنتهي إليه ؛ فيزنوها .
يُروى عن بعض السلف .. عن علي – رضي الله عنه – : وددت أن رقبتي مثل رقبة البعير ؛ حتى أتمكن من إدراك كلمتي قبل أن تخرج .
الإنسان ربما يتكلم بكلمة توبق دنياه وآخرته ، ربما يتكلم بكلمة تقع به في جهنم سبعين خريفًا ، ربما يتكلم بكلمة لا يُلقي بها على بال تدخله النار وتحرمه من الجنة .
وإني ألاحظ – هذه الأيام – أن بعضَ الناس – الذين ربما يدَّعون أنهم من طلبة العلم – لا يتورَّعون في نقل الأخبار ، وفي تقويل الإنسان ما لم يقل ، وفي إلزامه بلوازمَ لا تلزمه . وربما طُرح سؤال في حَلقةٍ علمية – لا يُراد به وجه الله ، ولا يُراد به خير – ، ثم إذا سمع الجواب ؛ زاد فيه وحرَّف وبدَّل وغيَّر ، وقال : إنَّ فلانًا يقول كيْت وكيت !!
وهذا وقع معي أنا – الذي أحدثكم – مِن أناس يحسبون أنفسهم طلاب علم ؛ فيُقوِّلون الإنسان ما لم يقل ، ويرتِّبون على أسئلةٍ فسادًا ؛ يقول قائلهم : ما حكم .. ما رأيكَ في المسألة الفلانية ، فإذا أتيتَ بجواب ؛ ذهب بها إلى زيدٍ من الناس، وقال : فلان – والله – يعنيك بهذا الجواب !! وأنا أجبتُ جوابًا إيش ؟ عامًّا ، بموجب ماذا ؟ سؤاله ، وما علمتُ أنَّ سؤاله خبيث يَقصد به إيقاعَ الفتنة بين طلاب العلم !
هذا لا يفعله عاقل ، لا يفعله إلا مَن بعقله خلل أو جنون ، أو مريض ، في قلبه مرض يحتاج إلى علاج بالقرآن ، بذكر الله ، بالعودة إلى الله ، بعبادة الله ، بالخوف من الله ، باللجوء إلى الله .
تسألني سؤالا عامًّا – في مسألة عقدية أو منهجية – ، ثم أجيبك بما أدين اللهَ به فيما يظهر مِن فهم سلفنا الصالح في ضوء الكتاب والسنة ، ثم أنتَ تذهب إلى زيدٍ من الناس – وربما كان مِن طلبة العلم الذين أحبهم ويحبونني – ، وتقول : فلان يقول فيك كيت وكيت ! لأنه هو عندما طرح السؤال ؛ لم يطرحه لوجه الله ، وإنما يريد أن ينتزعَ جوابًا ؛ لينزِّلَه على فهمه الخبيث ، وطويَّته الفاسدة ، وقلبه المريض الذي يحتاج إلى علاج .
والقلوب إذا فُتحت للفتن ؛ فإنها – والعياذ بالله – تصبح مرتعًا لها . تُعرَض الفِتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا فأيما قلب إيش ؟ أُشربها ، ماذا ؟ النتيجة : فهو يكون قلبًا أسود مرباد كالكوز مُجَخِّيًا ؛ لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا . أنا أشبه قلوب هؤلاء بهذا ؛ قلوب منكوسة .
تسأل سؤال علمي ، ثم ترتب عليه – على الجواب – وتلزمني – يا أيها الجاهل ! يا مَن هو أجهل من حمار أهله ! – تُلزمني أنني أعني فلانًا من الناس ؟! وربما كان هذا من إخواني في الله – طلاب العلم – ؟! كيف تجرؤ على ذلك ؟!! كيف تفتري ؟!! هذا افتراء وكذب ودجل وسَفه لا يجوز أن يكون بين طلاب العلم ، لا يجوز ، ومَن كان هذا شأنه ؛ لا يَسأل ، لا يَسأل طلاب العلم ، لا يطرح مسألة إلا إذا كان يريد بها وجه الله سبحانه وتعالى ، لا يجوز له أن يسأل مسألة إلا إذا كان يريد العلم بالفعل ، ويريد وجه الله تبارك وتعالى ، ويريد الحق ، يجب أن يكون هدفه الحق . أما أن يكون كالمذياع يُلفِّق مِن هنا وهناك ويبني على ما يسمع أفكارًا لم تخطر ببال أحد !!
{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } [الإسراء: 36] . واللهِ غدًا ستقف بين يدي الله ، وستحاسَب عن هذه الطويَّة الخبيثة التي أضمرتها عندما طرحتَ سؤالك المريض .
نعم ، هناك أهل البدع ربما يسأل ويقصدون بالجواب ، وهناك أهل الخرافات وأهل المعاصي مقصودون لا شك . لكن : تسألني سؤال ثم تلزمني أنني أعني فلانًا من إخواني طلاب العلم الطيبين الذين هم على المنهج الحق لمرض في نفسك؟!
القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد . يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : " ألا وإنَّ في الجسد مضغة ، إذا صلحت ؛ صلح الجسد كله ، وإذا فسدت ؛ فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب " . عالج هذا القلب بذكر الله ، عالجه بالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى .
{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } [الحديد: 16] . عالج هذا القلب المسكين بذكر الله تبارك وتعالى ، بتلاوة القرآن . أما الإغراق في القيل والقال ، والجدل الذي لا طائل تحته ، والإلزامات التي لا تَلزم ، والأحكام على الناس بغير رويَّة ولا هدى ولا كتاب منير !! وإنما من خلال عقلك أنت ، وأنت صغير علمًا وسنًّا وعقلا كلها تنطبق عليك !! صغير في سنك ، في عقلك ، في علمك ، ثم تَنصِب نفسك حاكمًا على الأمة ؛ تكفِّر هذا ، وتُفسِّق هذا ، وتبدِّع هذا ، برأيك ، وفهمك القاصر ! وتضرب حتى النصوص الشرعية تضرب بعضها ببعض دون الرجوع إلى طلاب العلم وإلى العلماء الربانيين ، الذين ينفون عن كتاب الله تعالى تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين .
اشتغل – يا مسكين – بالعلم ، اشتغل بالعبادة . تجدْه حتى لا يقوم شيئًا من الليل يلجأ إلى الله عز وجل ، ينام ليلا ونهارًا ! فإذا قام ؛ ليس له همّ إلا ضرب الناس بعضهم ببعض .
وأحب من طلاب العلم أن ينتبهوا إلى مَن قد يندس بينهم مِن أدعياء العلم ، وأدعياء الحق ، وهم مندسون في صفوف طلاب العلم . ولا أدل على ذلك مِن نقلهم الأخبار على عواهنها ، دون تمييز ، ودون تحقيق ، ودون رجوع إلا طلاب العلم أو إلى العلماء في فهم النصوص الشرعية ، بل هو نفسه يبني ويحكم كما يريد ؛ لأنه يزعم أنه وصل إلى ما لم يصل إليه غيره ، وأنه هو عالم دهره ، ووحيد عصره !
نعم النقل مقبول من العلماء الذين يقوِّمون الأمة – أفرادًا ومجتمعات – على وفق كتاب الله تعالى وهدي رسوله – صلى الله عليه وسلم – . أما أن يأتي صغار سفهاء لا يدركون ما يسمعون ، ولا يحسنون نقل ما يسمعون ، بل يقولون بأقوال يُلزمون فيها الناس ما لا يلزمهم ، ويقوِّلون طلاب العلم أو العلماء ما لم يقولوا ؛ فهؤلاء يجب أن نكون على حذر منهم ، وأن ننصحهم بطلب العلم الشرعي ، ننصحهم بأن يجتهدوا في طلب العلم الشرعي ، وأن يبتعدوا عن المهاترات التي لا طائل تحتها ، وبخاصة إذا تحولت المسألة إلى سِباب وشتائم وإلزامات وكلام لا يليق يفعله بعض الناس ، وربما خاضوا بطريقة عكسية – والعياذ بالله – في طلب العلم الشرعي .
عندما قيل لابن عمر : إن هناك قومًا مِن القدرية يتقفرون العلم ؛ يعني : يطلبون العلم ، ويتتبعونه لكن على غير منهج السلف ! تعلمون ماذا قال ابن عمر وبراءته منهم ، وإعلانه البراءة منهم ، ثم استدلاله على ذلك بحديث مجيءِ جبريل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- الذي رواه أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ، والذين كانوا يخوضون في القدر .
فكذلك كثير من الناس – الآن – يخوضون في مسائل العلم بغير روية، وبغير فهم ، وبغير فقه ! ربما أخذوا نصوصًا للسلف فضربوا بها السنة والكتاب ، وربما أخذوا نصوصًا وضربوا بها نصوصًا أخرى ، أو ضربوا نصوص الكتاب والسنة بعضها ببعض . كل ذلك راجع إلى عدم الفقه وإلى عدم الرجوع إلى علماء الأمة ، والرسول – صلى الله عليه وسلم- يقول : " إنما العلم بالتعلُّم ، وإنما الحلم بالتحلُّم " ، ويقول الله عز وجل : { فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } [التوبة: 122]، ويقول تبارك وتعالى : { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ } [النساء: 83] ، ويقول تبارك وتعالى : { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [النحل: 43، الأنبياء: 7] ، ويقول الله تبارك وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } [النساء: 59] ، ويقول تبارك وتعالى : { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } [الشورى: 10] .
فتنبهوا – إخواني – لهذه المسألة ؛ فإنها مسألة جد خطيرة ! وإنها مسألة تحتاج من طلاب العلم إلى الروية والتفكر والتدبر والتأمل قبل أن تقول ما تقول ؛ تأمل ما تريد قوله ، وتأمل ما قد يترتب عليه من فساد ربما يوقعك في أوحال خطيرة لا تستطيع الخروج منها ، أو تحدث فتنة بين الناس ، أو توقع الناس في فتن وتغرقهم في مصادمات بغير دليل .
لا يفهم أحد – هنا – أن طالب العلم لا يبلِّغ ما سمع من الحق ، أو أنه لا يدعو إلى الله عز وجل . لا ، هذا لا يعنيه أحد ، ولا نعنيه ، ولا يقول به أحد ، وإنما نعني : إن على طالب العلم أن يتثبت مما يريد قوله ، ومما يريد أن يُصدره قبل أن يلقيه وأن ينقله نقلا ، ( إذا رَويْتَ ؛ فقمِّش ، وإذا حدَّثتَ ؛ ففتِّش ) – كما يقول بعض أهل العلم – ، يعني ربما تروي الكثير وتسمع الكثير ، لكن عندما تريد أن تقولَ شيئًا ؛ تأكد مما تقول ، وتأمل ما قد يترتب عليه مِن وجود مصالح أو درءِ مفاسد ، تأكد من هذا ؛ حتى تلقى الله عز وجل وأنت ذو قلب أبيض كالصفا ، لا يضره شيء .
فأوصيكم ونفسي – أيها الإخوة – بتقوى الله سبحانه وتعالى في السر والعلن ، والمنشَط والمكره ، والعناية بطلب العلم ، والبعد عن بُنيَّات الطريق .
واسمع حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، الذي يرويه أبو هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " إن الله يرضى لكم ثلاثًا ، ويسخط لكم ثلاثًا : يرضى لكم : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا ، وأن تناصحوا مَن ولّاه الله أمركم . ويسخط لكم ثلاثًا : قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال " . والشاهد : " قيل وقال" ؛ لأن كثرة الأقوال ؛ قد تؤدي بالإنسان للبلبلة والحيرة ، تجعله في حيرة من أمره – والعياذ بالله – ، وتجعله في قلق وفي عدم طمانينة .
انظروا إلى أهل الكلام ، سمِّي كلامًا ؛ لكثرته وقلة بركته ، الكلام الذي هو علم الإيش ؟ علم المنطق ؛ كثير ، مقدمات تنبني عليها نتائج ، لكن البركة قليلة ، بل غالبًا ليس فيه بركة وليس فيه خير .
يقول (( الرازي )) (1) عندما وصل إلى قناعة بترك علم الكلام والرجوع إلى عقائد أهل نيسابور أو إلى عقائد العجائز ، إلى الفطرة ، يقول ( الرازي ) بعد أن يئس من علم الكلام وأغرق فيه ، ولعله رجع – إن شاء الله – ، يقول :
نهايـة إقـدام العقول عقـال .. وأكثـر سعـي العالمين ضـلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا .. وأكثـر دنيانـا أذى ووبـال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا .. سوى أن جمعنا فيه قيل قالوا
ثم قال : لقد خضت في علم الكلام ، وخضت في البحر الخضم ، وقرأت الذي نهوني عنه ، وها أنا اليوم إن لم يتداركني الله برحمته ؛ فالويل لفلان . ثم قال إنه يعود إلى عقيدة السلف، وذكر بعض الآيات ، ثم قال : ومَن جرب مثل تجربتي ؛ عرف مثل معرفتي .
( … ) (2) ، كل شيء زاد عن حده ؛ انقلب إلى ضده ، حتى الخوض في مسائل العلم ؛ إذا تحولت إلى جدل وإلى خصومات وإلى مراء لا يقصد به وجه الله ؛ فيتحول إلى سوء ؛ ولذلك يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: " أنا كفيل ببيت في ( ربض ) (3) الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا " ، فما بالك إذا كان مبطلا ، وإذا كان يتطفل على العلم ، وإذا كان يتقول على العلماء وعلى طلاب العلم ، وإذا كان يلزمهم بما لا يلزمهم ، وإذا كان يَسأل لغرض في نفسه ؛ ليبني عليه أمورًا فاسدة تضر بالإسلام والمسلمين ؟!!
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا والعلم . فانتبهوا إلى هذا ، واجتهدوا في طلب العلم وإياكم وبنيات لطريق ، وإياكم والخوض الذي لا طائل تحته ، وإياكم أن تنقلوا كلاما إلا إذا تأكدتم من صحته ، وأيضا مما يترتب على نقله من حق أو باطل .
(( انتهى التفريغ والحمد لله )) .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خير واثابك جنته وجعل ماقدمت في ميزان حسناتك دمت بخير |
تشرفت بوجودك العطر
جزاك الله الف خير
بارك الله فيك .. ارق التحأأأأأأأأأيا |
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاك الحسنات واكثررر
بارك الله فييييييييييك اسلام
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .
أنثى
دفا القلوب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
|
آسٌِِّلآمً
|
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
آسـلآمـ
عطرتى متصفحى بوجودك العطر