القرآن والقراءات القرآنية
{الدكتور / فوزي فياض}
الله عز وجل هو القائل : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن )(1) ، وهو القائل سبحانه : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر )(2) .
لقد أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة، ثم نزل بعد ذلك منجماً في عشرين سنة أو ثلاث وعشرين سنة أو خمس وعشرين سنة على حسب الخلاف في مدة إقامة النبي صلي الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة، فقد أخرج الحاكم والبيهقي وغيرهما من طريق منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ( أنزل القرآن ليلة القدر جملة واحدة إلى السماء الدنيا وكان بمواقع النجوم وكان الله ينزله على رسوله صلي الله عليه وسلم بعضه في إثر بعض )(3) .
وتمثلت المرحلة الأولى من نزول القرآن في تعليم جبريل القرآن للنبي صلي الله عليه وسلم، وذلك في بدء نزوله وفي أول آية من القرآن حيث بينت بوضوح عن إقراء وتعليم جبريل القرآن للنبي صلي الله عليه وسلم في قوله تعالى: ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) (4)، ومن الواضح أنها كانت قراءة تعليم بغية أن يجمعه الله عز وجل لنبيه صلي الله عليه وسلم في صدره .
ثم كان بعد ذلك يقرئ أصحابه القرآن ويعلمهم إياه كلما نزل عليه شيء من القرآن امتثالاً لقوله تعالى: ( و قرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ) (5)، وتعليم النبي صلي الله عليه وسلم وإقراؤه المسلمين من الثبوت بمكان لا يفتقر معه إلى كثير استدلال، فعن عثمان بن عفان وابن مسعود وأبيّ بن كعب: ( أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يقرئهم العشر، فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل فيعلمهم القرآن والعمل جميعاً ) (6) .
ثم كان بعد ذلك تعليم بعض المسلمين بعضاً آي القرآن، وإقراؤهم كذلك، وهذا كان يقع بأمر النبي صلي الله عليه وسلم وإرشاده، وبقيامه به بنفسه أيضاً، فقد روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يقول : ( استقرئوا القرآن من أربعة عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأُبيّ بن كعب ) (7) . وهكذا تعاهد المسلمون الأولون القرآن بالحفظ والقراءة، فكان الرسول صلي الله عليه وسلم بعد تلقينه القرآن من جبريل عليه السلام يعلمهم ما نُزل عليه، وكانوا بعد ذلك يُقرئ بعضهم بعضاً، ويستمعون إلى القراءة من بعضهم أيضاً . ولقد جاء في خبر نزول مصعب بن عمير المدينة أنه نزل دار القراء(8) . ولعل في الإشارة إليها بهذا الاسم دليلاً على تميز القراء في مجتمع المسلمين آنذاك فهذا كان حال الرعيل الأول من الصحابة مع القرآن، ولقد وقعت بعض الخلافات على أحرف من القرآن الكريم أثناء سماع بعضهم لقراءة بعض، فمن ذلك ما رواه أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (دخلت المسجد أصلي فدخل رجل فافتتح النحل فقرأ فخالفني في القراءة، فلما انفتل قلت : من أقرأك ؟ قال : رسول الله صلي الله عليه وسلم ، ثم جاء رجل فقام يصلي فقرأ وافتتح النحل فقرأ فخالفني وخالف صاحبي، فلما انفتل قلت : من أقرأك ؟ قال : رسول الله صلي الله عليه وسلم ، قال فدخل في قلبي من الشك والتكذيب أشد مما كان في الجاهلية، فأخذت بأيديهما فانطلقت بها إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقلت : استقرئ هذين، فاستقرأ أحدهما، قال : أحسنت، فدخل في قلبي من الشك والتكذيب أشد مما كان في الجاهلية، ثم استقرأ الأخر فقال : أحسنت، فدخل في قلبي من الشك والتكذيب أشد مما كان في الجاهلية، فضرب رسول الله صلي الله عليه وسلم صدري بيده فقال : أعيذك بالله يا أُبيّ من الشك ثم قال : إن جبريل عليه السلام أتاني فقال : إن ربك يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت : اللهم خفف عن أمتي، ثم عاد فقال : إن ربك عز وجل يأمرك أن تقرأ القرآن على حرفين، فقلت : اللهم خفف عن أمتي، ثم عاد فقال : إن ربك عز وجل يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف وأعطاك بكل ردة مسألة ) (9) .
وكذلك كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ راوده الشك وقد اختصم هو ورجل خالفه في القراءة، فعرف الرسول صلي الله عليه وسلم ذلك في وجهه، فضرب صدر عمر وقال : ( أبعدْ شيطاناً، قالها ثلاثاً، ثم قال : يا عمر إن القرآن كله صواب ما لم تجعل رحمة عذاباً أو عذاباً رحمة) (10) . وهناك غير هذه الأخبار وقعت على عهده صلي الله عليه وسلم ، اجتزأنا بعضها لوضوح دلالتها على المراد من أنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف ليتيسر لكل مسلم قراءته باللغة التي مرن لسانه عليها، وهذا من رحمة الله بهذه الأمة .
ولما توفي النبي صلي الله عليه وسلم وقام بالأمر بعده أحق الناس به أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقاتل الصحابة المرتدين وأصحاب مسيلمة، وقُتل من الصحابة نحو الخمسمائة، أُشير على أبي بكر بجمع القرآن في مصحف واحد خشية ذهابه بذهاب الصحابة، فتوقف في ذلك، ثم اجتمع رأيه ورأي الصحابة على جمعه، فأمر زيد بن ثابت بتتبع القرآن وجمعه، فجمعه في صحف كانت عند أبي بكر حتى توفي، ثم عند عمر بن الخطاب حتى توفي، ثم عند حفصة رضي الله عنها(11) ، ثم كانت خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفيها تبدأ القراءات في الظهور بشكل خلافات بين المسلمين، ولعل أشهرها هنا خبر حذيفة بن اليمان رضي الله عنه الذي راعه ما رآه من اختلاف أهل الشام والعراق من هذه أثناء غزواته في أذربيجان وأرمينيه في قراءة القرآن، فحينئذٍ هرع حذيفة بن اليمان إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وقال له : أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى(12) . فاستجاب عثمان رضي الله عنه وأرسل إلى حفصة يطلب منها صحف القرآن لنسخها في المصاحف، ثم ردها إليها، فأرسلت حفصة الصحف إلى عثمان، وكلف عثمان كلاً من زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام بنسخ الصحف في المصاحف، وقال عثمان للنفر القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فنما نزل بلسانهم، ففعلوا ما أمرهم به عثمان حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق بالنار(13) . والمصاحف التي أرسلها عثمان كانت أربع نسخ، فوجه إلى كل من الكوفة والبصرة والشام بمصحف وترك واحداً عنده، وقد قيل: أنه جعلها سبع نسخ بزيادة ثلاث نسخ أرسلها إلى اليمن والبحرين ومكة، لكن الأول أصح وعليه الأئمة (14) .
وبعد توحيد المصاحف عيَّن عثمان رضي الله عنه مقرئاً خاصاً لكل مصر من الأمصار، وذلك ليقرئ الناس بمصحفه ويتلاشى التعدد في القراءات، فوجه إلى مكة عبد الله بن السائب المخزومي، وإلى الكوفة أبا عبد الرحمن السلمي وإلى البصرة عامر بن عبد القيس، وإلى الشام المغيرة بن أبي شهاب المخزومي وعيَّن زيد بن ثابت للقراءة في المدينة . وقد توخَّى عثمان رضي الله عنه في اختيار هؤلاء الموفدين أن يكون مع كل مصحف قارئ توافق قراءته أهل ذلك المصر في الأعم الأغلب(15) .
والذي تجدر الإشارة إليه هنا في هذه المرحلة من جمع عثمان المصحف هو أنه في هذه المرحلة كان بدء التفرقة بين القراءات المعتبرة والقراءات الشاذة، ومما ذهب إليه الكثير من العلماء أن الاختلافات التي وقعت بين أهل العراق والشام وغيرهم والتي كانت سبباً في توحيد المصاحف، كانت أيضاً بداية لانتشار القراءات القرآنية، ذلك أن ما كان قد فشا من قراءات توارثها الناس عن الصحابة وتابعيهم لم يكن من الممكن حله عن طريق المصاحف، فظل الاعتماد على الحفظ وليس على مجرد الخط في الرسم العثماني . وبهذا تكون القراءات القرآنية قد أخذت طريقها في الظهور والانتشار كما هو معروف في التاريخ الإسلامي فيما بعد .
(1) سورة البقرة آية 186 .
(2) سورة القدر آية 1 .
(3) صحيح البخاري 9/4، والاتقان في علوم القرآن 1/35 .
(4) سورة العلق آية 1 .
(5) سورة الإسراء آية 106 .
(6) تفسير القرطبي 1/39 .
(7) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 9/46 .
(8) فجر الإسلام صـ142 .
(9) مسند الإمام أحمد 5/132 .
(10) النشر في القراءات العشر 1/21 .
(11) النشر في القراءات العشر 1/7 .
(12) مباحث في علوم القرآن صـ 149 .
(13) الاتقان في علوم القرآن 1/79 .
(14) البرهان في علوم القرآن 1/236 .
(15) مناهل العرفان في علوم القرآن 1/406 .
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
جزاك الله عنا خير الجزاء اخى اسلام
بارك الله فيك ونفع بك الاسلام والمسلمين
دومت بود
بلاك لاين
تشرفت بحضورك الراقى
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيييييييييك |
جزاك الله الف خير يارب..
يسلموو اسلام على الجهد تحياتي..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
|
آسٌِِّلآمً
|
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بوركت الانامل وجزاك الجنه دومت بسعادة خيو اسلام |
بهجت الدنيا
تشرفت بحضورك الراقى
غرور
نورتى الطرح بحضورك الراقى
امونه
عطرتى الطرح بحضورك الراقى