ابتلاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (2)
3- الابتلاء بفقدان أبنائه صغاراً:
يجد الدارس لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والناظر في ترجمة حياته أن إحدى المحن والابتلاءات التي ألمّت به كانت في فقده لأبنائه صغاراً، فمن ذلكم ما قاله ابن هشام: "فأما القاسم والطيب والطاهر فهلكوا في الجاهلية، أما بناته فكلهن أدركن الإسلام، فأسلمن وهاجرن معه صلى الله عليه وسلم".
يجد الدارس لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والناظر في ترجمة حياته أن إحدى المحن والابتلاءات التي ألمّت به كانت في فقده لأبنائه صغاراً، فمن ذلكم ما قاله ابن هشام: "فأما القاسم والطيب والطاهر فهلكوا في الجاهلية، أما بناته فكلهن أدركن الإسلام، فأسلمن وهاجرن معه صلى الله عليه وسلم".
ورغم هذا الذي ذكره ابن هشام، إلا أن لنا أن نقول بأن بناته صلى الله عليه وسلم قد توفين وهن في سن الشباب، فقد ماتت زينب رضي الله عنها في سنة ثمان للهجرة، وماتت رقية لسنة وعشرة أشهر وعشرين يوماً من مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة، وماتت أم كلثوم سنة تسع من الهجرة، هذا تحديد وفاة بناته صلى الله عليه وسلم في حياته، وأما فاطمة رضي الله عنها فقد ماتت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
والناظر في هذا البلاء الشديد الذي وقع بالنبي صلى الله عليه وسلم بوفاة أبنائه صغاراً، يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صبر على هذا الابتلاء واحتسب، وكان لسان حاله كما قال عند موت ابنه ابراهيم عليه السلام: "إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون".
وهو ابتلاء شديد يقع على نفس النبي صلى الله عليه وسلم بفقدانه أبنائه صغاراً وبناته في سن الشباب، وإنه ابتلاء تنهدّ له الجبال الراسيات، ولكن نفس محمد صلى الله عليه وسلم الكبيرة تتعالى على ذلك كله، حتى إن أحد كفار مكة قد حاول تعيير النبي صلى الله عليه وسلم بفقدانه أبنائه الذكور بأنه أبتر لا عقب له، فقد ذكر أهل السيرة أن العاص بن وائل السهمي إذ ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال: دعوه، فإنما هو رجل أبتر لا عقب له، ولو مات لانقطع ذكره، واسترحتم منه. فأنزل الله عز وجل في ذلك: }إنا أعطينك الكوثر. فصل لربك وانحر. إن شانئك هو الابتر{.
كما أن قريشاً قد فاضلت بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم المنبتر في زعمهم، واحتكموا إلى كعب بن الأشرف، فحكم لهم على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا يقول ابن عباس رضي الله عنه: "لما قدم كعب بن الأشرف مكة، قالت له قريش: أنت خير أهل المدينة وسيدهم؟ قال: نعم، قالوا: ألا ترى إلى هذا المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة؟ قال: أنتم خير منه. فنزلت: }إن شانئك هو الأبتر{.
ولئن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ابتلي بهذا الابتلاء الشديد في فقده ولده صغاراً، وبناته في سن الشباب، فقابله بالصبر والاحتساب؛ فإن الله تعالى قد عوّضه، فجعلهم ذخراً له في الآخرة، وجعل أبناء أمته في حياته في مقام الولد له، بل أطوع، فأمنية الكبير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يكون خادماً له، معيناً له، وما توانى المسلمون في لحظة من اللحظات عن خدمة النبي صلى الله عليه وسلم والقيام بحقه، بل تسابقوا في أداء ذلك، والحرص عليه، حتى ما احتاج صلى الله عليه وسلم تذكير أحد منهم عند نسيانه، ولا مراجعته عند غفلة، فقلوبهم حاضرة معه، ما إن تحس رغبة في أمر حتى تسارع إلى تلبيته وتحقيقه، مطيعة لنبيها صلى الله عليه وسلم، محتسبة عند ربها، مسارعة إلى الخير المتمثل في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى كانت المواساة الكبيرة التي تقوم بها الجماعة المسلمة في عصره، تجاهه صلى الله عليه وسلم، تلك المواساة التي ما ذكر أنها تحققت لرجل سوى النبي صلى الله عليه وسلم، من جيل أكثر منه من جيل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان بالنسبة لهم مهوى القلوب، وملتقى الأفئدة، ونور البصائر، وحركة النفوس، وأنى للمؤمن أن يتأخر عمن هذا حاله، وهكذا الشأن معه.
إن المرء ليجد من رفعة نفسه؛ أن يكرم بأن يعد ضمن أولئك الذين يخدمون النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيحملون نعله، فهذا فضل بالغ ما بعده فضل، حرص عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ونالوه، وأحرزوا نصب السبق فيه، فكان حالهم هذا مما يخفف عنه صلى الله عليه وسلم ألم فقدان أبنائه، ليدفعه إلى مزيد عمل، ومزيد انطلاق في تبليغ دعوة الله تعالى إلى الناس، والله المستعان.
4- ابتلاؤه بحسد عشيرته له:
كان من تلك الابتلاءات والمحن التي ألمّت بالنبي صلى الله عليه وسلم ابتلاؤه بحسد قريش له؛ ظناً منها أن أمر النبوة والرسالة مما يكتسب اكتساباً، وأنه مما يجري التنافس فيه بين أفخاذ القبائل وبطون العشائر، ولقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم من هذا البلاء والشدة، لأنه يأتي من قومه وعشيرته الذين يفترض فيهم أن يقوموا بنصرته، وكف الأذى عنه، لكنه تلقى بدلاً من الدعم والتأييد والمؤازرة صنوف الأذى النفسي والمادي والمعنوي في نفسه وماله وأهل بيته وأصحابه.
ولقد عبّر بعض هؤلاء عن قضية الحسد والتنافس هذه، فقد سأل الأخنس بن شريق أبا جهل فقال له: يا أبا الحكم! ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاذبنا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك مثل هذا؟ والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه!!
هذا حال أبي جهل مع النبي صلى الله عليه وسلم، وماذا عليه لو آمن به؟ إذاً لفاز بخيري الدنيا والآخر، لكنه ليس من أهل الفوز، فقد أعماه حسده عن الحق وصرفه عنه، والمسألة ليست مسألة أبي جهل فقط، بل هي وجهة عشيرة، وحسبة قبيلة، تأنف أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم نبياً فيها، لذا فقد وقفت في وجهه، وساومته على دعوته، وسفهت حلمه، وأوقعت به الأذى، وحاولت قتله، وعملت على حصاره، وسعت إلى أذاه بكل ما تملك، حتى أخرجته من بلده الذي يأمن فيه كل الناس، لكنه لم يأمن فيه، ثم ألّبت عليه الأعداء، وتكلمت فيه بلسانهم، وعذبت أصحابه، وقتلت خيارهم، وأسرت من استطاعت منهم، فسامتهم من العذاب أشده، واستعانت عليهم بكل عدو، وما كان ذلك منها بالجهل الذي تعذر به، ولا بالخطأ الذي لا تؤاخذ به، بل كان عمداً وقصداً، وحقداً وحسداً، حصروه حتى ظنوا أنهم قد أخذوا منه بالخناق، لكن مسعاها قد خاب، فقد أخرجه الله تعالى من بين أيديهم ما حاولوا حصره، وأنقذه من كيدهم ما حاولوا قتله.
وانظر إلى حالهم معه، وحاله معهم، يوم الهجرة، وما خططوا به لقتله، فسلمه الله تعالى من كل ذلك، وفي الغار إذ وقفوا عند بابه يرومون أسره، فسلمه الله من ذلك، وفي أحُد إذ راموا قتله، فأخرجه الله من بين أيديهم وسلمه منهم، ويوم الخندق إذ حصروه، وكانوا حوله كالسوار حول المعصم، لكن الله تعالى قد كسر طوقهم، وفل جمعهم، ورد كيدهم، وأبطل شرهم، فعادوا خائبين، وعاد منصوراً عليهم، واستحالت الجولة له، فكان هو الذي غزاهم، وهم الذين يحصرون؛ فكانوا تحت رحمته، فأمكنه الله تعالى منهم في فتح مكة، بأكبر ما يمسك به عدو خصمه، وما يطالب به منتقم فريسته.
والناظر في هذا البلاء الشديد الذي وقع بالنبي صلى الله عليه وسلم بوفاة أبنائه صغاراً، يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صبر على هذا الابتلاء واحتسب، وكان لسان حاله كما قال عند موت ابنه ابراهيم عليه السلام: "إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون".
وهو ابتلاء شديد يقع على نفس النبي صلى الله عليه وسلم بفقدانه أبنائه صغاراً وبناته في سن الشباب، وإنه ابتلاء تنهدّ له الجبال الراسيات، ولكن نفس محمد صلى الله عليه وسلم الكبيرة تتعالى على ذلك كله، حتى إن أحد كفار مكة قد حاول تعيير النبي صلى الله عليه وسلم بفقدانه أبنائه الذكور بأنه أبتر لا عقب له، فقد ذكر أهل السيرة أن العاص بن وائل السهمي إذ ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال: دعوه، فإنما هو رجل أبتر لا عقب له، ولو مات لانقطع ذكره، واسترحتم منه. فأنزل الله عز وجل في ذلك: }إنا أعطينك الكوثر. فصل لربك وانحر. إن شانئك هو الابتر{.
كما أن قريشاً قد فاضلت بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم المنبتر في زعمهم، واحتكموا إلى كعب بن الأشرف، فحكم لهم على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا يقول ابن عباس رضي الله عنه: "لما قدم كعب بن الأشرف مكة، قالت له قريش: أنت خير أهل المدينة وسيدهم؟ قال: نعم، قالوا: ألا ترى إلى هذا المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة؟ قال: أنتم خير منه. فنزلت: }إن شانئك هو الأبتر{.
ولئن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ابتلي بهذا الابتلاء الشديد في فقده ولده صغاراً، وبناته في سن الشباب، فقابله بالصبر والاحتساب؛ فإن الله تعالى قد عوّضه، فجعلهم ذخراً له في الآخرة، وجعل أبناء أمته في حياته في مقام الولد له، بل أطوع، فأمنية الكبير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يكون خادماً له، معيناً له، وما توانى المسلمون في لحظة من اللحظات عن خدمة النبي صلى الله عليه وسلم والقيام بحقه، بل تسابقوا في أداء ذلك، والحرص عليه، حتى ما احتاج صلى الله عليه وسلم تذكير أحد منهم عند نسيانه، ولا مراجعته عند غفلة، فقلوبهم حاضرة معه، ما إن تحس رغبة في أمر حتى تسارع إلى تلبيته وتحقيقه، مطيعة لنبيها صلى الله عليه وسلم، محتسبة عند ربها، مسارعة إلى الخير المتمثل في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى كانت المواساة الكبيرة التي تقوم بها الجماعة المسلمة في عصره، تجاهه صلى الله عليه وسلم، تلك المواساة التي ما ذكر أنها تحققت لرجل سوى النبي صلى الله عليه وسلم، من جيل أكثر منه من جيل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان بالنسبة لهم مهوى القلوب، وملتقى الأفئدة، ونور البصائر، وحركة النفوس، وأنى للمؤمن أن يتأخر عمن هذا حاله، وهكذا الشأن معه.
إن المرء ليجد من رفعة نفسه؛ أن يكرم بأن يعد ضمن أولئك الذين يخدمون النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيحملون نعله، فهذا فضل بالغ ما بعده فضل، حرص عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ونالوه، وأحرزوا نصب السبق فيه، فكان حالهم هذا مما يخفف عنه صلى الله عليه وسلم ألم فقدان أبنائه، ليدفعه إلى مزيد عمل، ومزيد انطلاق في تبليغ دعوة الله تعالى إلى الناس، والله المستعان.
4- ابتلاؤه بحسد عشيرته له:
كان من تلك الابتلاءات والمحن التي ألمّت بالنبي صلى الله عليه وسلم ابتلاؤه بحسد قريش له؛ ظناً منها أن أمر النبوة والرسالة مما يكتسب اكتساباً، وأنه مما يجري التنافس فيه بين أفخاذ القبائل وبطون العشائر، ولقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم من هذا البلاء والشدة، لأنه يأتي من قومه وعشيرته الذين يفترض فيهم أن يقوموا بنصرته، وكف الأذى عنه، لكنه تلقى بدلاً من الدعم والتأييد والمؤازرة صنوف الأذى النفسي والمادي والمعنوي في نفسه وماله وأهل بيته وأصحابه.
ولقد عبّر بعض هؤلاء عن قضية الحسد والتنافس هذه، فقد سأل الأخنس بن شريق أبا جهل فقال له: يا أبا الحكم! ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاذبنا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك مثل هذا؟ والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه!!
هذا حال أبي جهل مع النبي صلى الله عليه وسلم، وماذا عليه لو آمن به؟ إذاً لفاز بخيري الدنيا والآخر، لكنه ليس من أهل الفوز، فقد أعماه حسده عن الحق وصرفه عنه، والمسألة ليست مسألة أبي جهل فقط، بل هي وجهة عشيرة، وحسبة قبيلة، تأنف أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم نبياً فيها، لذا فقد وقفت في وجهه، وساومته على دعوته، وسفهت حلمه، وأوقعت به الأذى، وحاولت قتله، وعملت على حصاره، وسعت إلى أذاه بكل ما تملك، حتى أخرجته من بلده الذي يأمن فيه كل الناس، لكنه لم يأمن فيه، ثم ألّبت عليه الأعداء، وتكلمت فيه بلسانهم، وعذبت أصحابه، وقتلت خيارهم، وأسرت من استطاعت منهم، فسامتهم من العذاب أشده، واستعانت عليهم بكل عدو، وما كان ذلك منها بالجهل الذي تعذر به، ولا بالخطأ الذي لا تؤاخذ به، بل كان عمداً وقصداً، وحقداً وحسداً، حصروه حتى ظنوا أنهم قد أخذوا منه بالخناق، لكن مسعاها قد خاب، فقد أخرجه الله تعالى من بين أيديهم ما حاولوا حصره، وأنقذه من كيدهم ما حاولوا قتله.
وانظر إلى حالهم معه، وحاله معهم، يوم الهجرة، وما خططوا به لقتله، فسلمه الله تعالى من كل ذلك، وفي الغار إذ وقفوا عند بابه يرومون أسره، فسلمه الله من ذلك، وفي أحُد إذ راموا قتله، فأخرجه الله من بين أيديهم وسلمه منهم، ويوم الخندق إذ حصروه، وكانوا حوله كالسوار حول المعصم، لكن الله تعالى قد كسر طوقهم، وفل جمعهم، ورد كيدهم، وأبطل شرهم، فعادوا خائبين، وعاد منصوراً عليهم، واستحالت الجولة له، فكان هو الذي غزاهم، وهم الذين يحصرون؛ فكانوا تحت رحمته، فأمكنه الله تعالى منهم في فتح مكة، بأكبر ما يمسك به عدو خصمه، وما يطالب به منتقم فريسته.
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .
يسلمو الاياادي
جزاك الله خيرااا
بارك الله فيك
وجعله فى ميزان حسناتك
وجعله فى ميزان حسناتك