تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » سنن مهجورة

سنن مهجورة

خليجية
سنن مهجورة

في الطعام

قال صلى الله عليه وسلم : " إذا طعم أحدكم فسقطت لقمته من يده فليمط ما رابه منها ليطعمها، ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق يده؛ فإن الرجل لا يدري في أي طعامه يبارك الله ، فإن الشيطان يرصد الناس ـ أو الإنسان ـ على كل شيء حتى عند مطعمه أو طعامه ولا يرفع الصحفة حتى يلعقها أو يلعقها ، فإن في آخر الطعام البركة ".

قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 3 / 394 ) :
أخرجه ابن حبان ( 1343 ) و البيهقي في " شعب الإيمان " ( 2 / 187 / 2 ) من طريقين عن ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير عن جابر – و قال البيهقي : أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث – أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره .

و تابعه ابن لهيعة حدثنا أبو الزبير عن جابر به . أخرجه أحمد ( 3 / 394 ) .و الحديث في " صحيح مسلم " ( 6 / 114 ) من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزبيرعن جابر به دون قوله : " فإن الشيطان يرصد … " و لهذا تعمدت إخراجه من طريق ابن حبان و البيهقي و لما في رواية الثانية منهما من تصريح أبي الزبير بالتحديث، فاتصل السند و زالت شبهة العنعنة الواردة في رواية " مسلم " . على أن هذا قدشد من عضدها بأن ساق الحديث من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر به نحوه .

( يرصد ) أي يرقب . جاء في " المصباح " : " الرصد : الطريق ، و الجمع ( أرصاد )
مثل : سبب و أسباب . و رصدته رصدا ، من باب القتل : قعدت له على الطريق ،
و الفاعل : راصد ، و ربما جمع على ( رصد ) مثل خادم و خدم . و ( الرصيدي )
نسبته إلى الرصد ، و هو الذي يقعد على الطريق ينتظر الناس ليأخذ شيئا من أموالهم ظلما و عدوانا " .

قلت : و من المؤسف حقا أن ترى كثير من المسلمين اليوم و بخاصة أولئك الذين تأثروا بالعادات الغربية و التقاليد الأوربية – قد تمكن الشيطان من سلبه قسما من أموالهم ليس عدوانا بل بمحض اختيارهم ، و ما ذاك إلا لجهلهم بالسنة ، أوإهمالا منهم إياها ، ألست تراهم يتفرقون في طعامهم على موائدهم ، و كل واحدمنهم يأكل لوحده – دون ضرورة – في صحن خاص ، لا يشاركه فيه على الأقل جاره بالجنب ، خلافا للحديث السابق ( 664 ) .

و كذلك إذا سقطت اللقمة من أحدهم ؛ فإنه يترفع عن أن يتناولها و يميط الأذى عنها و يأكلها ، و قد يوجد فيهم من المتعالمين و المتفلسفين من لا يجيز ذلك بزعم أنها تلوثت بالجراثيم والميكروبات ! ضربا منه في صدر الحديث إذ يقول صلى الله عليه وسلم : " فليمط مارابه منها و ليطعمها ولا يدعها للشيطان " . ثم أنهم لا يلعقون أصابعهم بل إن الكثيرين منهم يعتبرون ذلك قلة ذوق وإخلال بآداب الطعام ، ولذلك اتخذوا في موائدهم مناديل من الورق الخفيف النشاف المعروف بـ ( كلينكس ) ، فلا يكاد أحدهم يجد شيئا من الزهومة في أصابعه ، بل وعلى شفتيه إلا بادر إلى مسح ذلك بالمنديل، خلافا لنص الحديث . و أما لعق الصحفة ، أي لعق ما عليها من الطعام بالأصابع ،فإنهم يستهجنونه غاية الاستهجان ، و ينسبون فاعله إلى البخل أو الشراهة في الطعام ، ولا عجب في ذلك من الذين لم يسمعوا بهذا الحديث فهم به جاهلون ، وإنما العجب من الذين يسايرونهم و يداهنونهم ،و هم به عالمون .

ثم تجدهم جميعا قد أجمعوا على الشكوى من ارتفاع البركة من رواتبهم و أرزاقهم ،مهما كان موسعا فيها عليهم ، و لا يدرون أن السبب في ذلك إنما هو إعراضهم عن اتباع سنة نبيهم ، و تقليدهم لأعداء دينهم ، في أساليب حياتهم و معاشهم .

فالسنة السنة أيها المسلمون ! *( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله و للرسول إذا دعاكم لما يحييكم و اعلموا أن الله يحول بين المرء و قلبه و أنه إليه تحشرون )* .

عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " إذا أكلَ أحَدُكم طعامًا ، فلا يمسحْ أصابعَه حتى يَلْعَقها أو يُلْعِقها " [متفق عليه]

قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- :
(( ينبغي للإنسانِ إذا انتهى من الطعام أن يَلعَق أصابعَه قبل أن يمسَحَها بالمنديل ، كما أمر بذلك النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – ؛ يَلْعَقها هو أو يُلْعِقها غيره .

أما كونه يَلعَقُها : فالأمر ظاهر .

وكونه يُلعِقها غيرَه : هذا أيضا ممكن ، فإنه إذا كانت المحبة بين الرجل وزوجتِه محبةً قوية ، يسهل عليه جدا أن تَلعَق أصابعه ، أو أن يَلعق أصابعَها، فهذا ممكن .

وقول بعض الناس :
إن هذا لا يمكن أن يقولَه النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – ؛ لأنه كيف يَلعقُ الإنسانُ أصابعَ غيرِه ؟

نقول : إن النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – لا يقول إلا حقًّا، ولا يمكن أن يقول شيئًا لا يمكن ، فالأمر في هذا ممكن جدا .

وكذلك الأولاد الصغار ، أحيانا الإنسانُ يحبُّهم ويَلعَق أصابعَهم بعد الطعام ، هذا شيء ممكن .

فالسُّنة أن تَلعَقها أو تُلْعِقها غيرَك .

والأمر -والحمد لله- واسع ، ما قال الرسول – صلى الله عليه وسلم – : (فلْيُلْعِقْها غيرَه)؛ حتى تقول هذا إجبارٌ للناس على شيء يشق عليهم . الْعَقْها أنتَ ، أو ألْعِقْها غيرَك )).

شرح رياض الصالحين، تحت الحديث رقم (748).

سنن مهجورة

جزاك الله خير

دمت برعاية الله

تبشير الكافر بالنار عند المرور بقبره

عن عامر بن سعد عن أبيه قال :

جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : إن أبي كان يصل الرحمَ ، وكان , وكان ؛ فأين هو ؟ قال : " في النار " . فكأن الأعرابيَّ وجَدَ من ذلك . فقال : يا رسول الله ! فأين أبوك ؟ قال : " حيثما مررتَ بقبر كافر ؛ فبشرْه بالنار " ، فأسلم الأعرابي بعدُ ، فقال : لقد كلفني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تعبًا : ما مررت بقبر كافر ؛ إلا بشرتُه بالنار .

قال الإمام الألباني -رحمه الله-:

(( وفي الحديث فائدة هامة أغفلتها عامة كتب الفقه؛ ألا وهي مشروعية تبشير الكافر بالنار إذا مر بقبره ، ولا يخفى ما في هذا التشريع من إيقاظ المؤمن ، وتذكيره بخطورة جرم هذا الكافر ، حيث ارتكب ذنبا عظيما تهون ذنوب الدنيا كلها تجاهه ولو اجتمعت ، وهو الكفر بالله عز وجل والإشراك به ، الذي أبان الله تعالى عن شدة مقته إياه حين استثناه من المغفرة فقال :
{ إنّ اللهَ لا يغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلكَ لِمَن يَّشاءُ } .

ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- :
" أكبر الكبائر أن تجعلَ لله نِدًّا وقد خلقكَ " [متفق عليه].

وإن الجهل بهذه الفائدة مما أدى ببعض المسلمين إلى الوقوع في خلافِ ما أراد الشارع الحكيم منها .

فإننا نعلم أن كثيرا من المسلمين يأتون بلاد الكفر لقضاء بعض المصالح الخاصة أو العامة ، فلا يكتفون بذلك ، حتى يقصدوا زيارة بعض قبور مَن يسمونهم بعظماء الرجال من الكفار! ويضعون على قبورهم الأزهار والأكاليل ، ويقفون أمامها خاشعين محزونين ، مما يُشعر برضاهم عنهم ، وعدم مقتِهم إياهم ، مع أن الأسوة الحسنة بالأنبياء -عليهم السلام- تقضي خلافَ ذلك ؛ كما في الحديث الصحيح .

واسمع قول الله عز وجل :
{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا} الآية .

هذا موقفهم منهم وهم أحياء ، فكيف وهم أموات !!

وروى البخاري (1/120ـ طبع أوروبا) ، ومسلم (8/221) ، والنسائي في " الكبرى " (6/ 373/11270) ، وابن حبان (6166 ـ 6170) ، والحميدي (رقم 653) ، وعبد الرزاق (6 / 415 / 1625) عن ابن عمر أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لهم لما مَرَّ بالحجر :

" لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين ؛ إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين ؛ فلا تدخلوا عليهم ؛ أن يصيبكم ما أصابهم " [ وتقنع بردائه وهو على الرحل ] )) .

ثم قال -رحمه الله- :

(( وقد ترجم لهذا الحديث صديق خان في " نزل الأبرار " (ص 293) بـ " باب البكاء والخوف عند المرور بقبور الظالمين وبمصارعهم ، وإظهار الافتقار إلى الله تعالى ، والتحذير من الغفلة عن ذلك " .

أسأل الله أن يفقهنا في ديننا ، وأن يلهمنا العمل به ؛ إنه سميع مجيب )).

مِنَ السنن المهجورة : ألاّ يمشي المُؤمِن بين قبور المُسلمينَ في نَعلـــــيْه
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم، مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا) (صحيح) رواه :(أحمد ومسلم والأربعة ).‌

جزى الله أحبتي في الله " أم سلمة السلفية " و " أم زيد " خير الجزاء وبارك فيكما وعليكما وجعلكما والأخوات الفاضلات من الهداة المهتدين، تحيى على أيديكن – بعَوْنِ الله تعالى – سنناً اندثرت، وتندثر بدعاً انتفشت.

يسرني المشاركة في هذا الموضوع القيم ، سائلة المولى – جلّ في عُلاه – أن يجعل عملنا خالصا ابتغاء مرضاته وابتغاء وجهه الكريم.

مِنَ السّـنن المهجورة : ألاّ يمشي المُؤمِن بين قبور المُسلمينَ في نعلـــيْه

وذلك لحديث بشير ابن الخصاصية – رضي الله عنه – قال : (بينما أماشي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – [آخذاً بيده] فقال : يا ابن الخصاصية ما [أصبَحتَ] تنقـُم على الله ؟ (1) أصبحت تماشي رسول الله [قال : أحسبه قال : آخذاً بيده ] فقلت : [يا رسول الله بأبي أنت وأمي] ما [أصبحتُ] أنقم على الله شيئا كل خير فعلَ بي الله، فأتى على قبور المشركين فقال : لقد سبق هؤلاء بخير كثير [وفي رواية : خيرا كثيرا] ثلاث مرات. ثم أتى على قبور المسلمين فقال : لقد أدرك هؤلاء خيراً كثيراً ثلاث مرات .
فبينما هو يمشي إذ حانت منه نظرة فإذا هو برجل يمشي بين القبور عليه نعلان فقال : يا صاحبَ السّبتيتينِ وَيْحَكَ ألقِ سبتيتيك، فنظرَ فلمّا عرَفَ الرجل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خلعَ نعليهِ فرَمى بهما).

أخرجه أبو داود (2/72) والنسائي (1/288) وابن ماجة (1/474) وابن ابي شيبة (4/170) والحاكم (1/373) والسياق له، ومن طريقه البيهقي (4/80) والطيالسي (1123) وأحمد (5/83،83،84،224)والزيادات له والطبراني (2/42/123).

والثانية للبيهقي وليست في " المُستدرك" وروى الطحاوي(1/293) منه قصة الرجل صاحب السبتيّتين وقال الحاكم : "صحيح الإسناد" .

ووافقه الذهبي، وأقرّه الحافظ في "الفتح"(3/160) وروى ابن ماجة عن عبدالله بن عثمان وهو البصري صاحب شعبة أنه قال : " حديث جيد ".

ونقلَ ابن القيّم في تهذيب السنن (4/343) عن الإمام أحمد، وقال النووي في المجموع: (5/412) إسناده حسن.

واحتجّ به ابن حزم (5/142،143)على أنه لا يُدفن مُسلمٌ مع مُشرك، وفي مكان آخر احتجّ به على تحريم المشي بالنعال بين القبور]. انظر : [أحكام الجنائز وبدعها ص 172 – 173] ….

وفي [أحكام الجنائز وبدعها ص 252 – 253] قال الحافظ في "الفتح"(3/160) : والحديث يدل على كراهَة المشي بين القبور بالنعال، وأغرب ابن حزم فقال يحرم المشي بين القبور بالنعال السبتية دون غيرها! وهو جمود شديد.

وأما قول الخطابي : يشبه أن يكون النهي عنهما لما فيهما من الخيلاء، فإنه متعقب بأن ابن عمر كان يلبس النعال السبتية، ويقول : إن النبيّ – صلى الله عليه وسلم – كان يلبسها وهو " حديث صحيح ".

وقال الطحاوي : يُحْمَلُ نَهْيُ الرّجُلِِ المذكورعلى أنهُ كانَ في نَعْلَيْهِ قَذر، فقد كان النبيّ – صلى الله عليه وسلم – يُصَلي في نَعليه ما لَمْ يَرَ فيهما أذى".

قلت : والقولُ لشيخنا الألباني – رحمهُ اللهُ تعالى – : [ وهذا الإحتمالُ بعيد، بل جَزمَ ابنُ حَزْمِ (5/137) ببطلانه وأنه من التقوّل على الله ! والأقرب أن النهْيَ مِن باب احترام الموتى، فهو كالنهي عن الجلوس على القبر، الآتي في المسألة (128 فقرة 6).

وعليه فلا فرق بين النعلين السبتيتين وغيرهما من النـّعالِ التي عليها شعر، إذ الكُل في مثابةٍ واحدةٍ في المَشيِ فيها بين القبور ومنافاتها لاحترامها.

وقد شرح ذلك ابن القيّم في تهذيب السنن (4/343- 345)ونقل عن الإمام أحمد أنه قال : "حديث بشير إسناده جيّد أذهَبُ إليهِ إلا مِن عِلّة ".

وقد ثبَتَ أن الإمام أحمد كان يعملُ بهذا الحديث، فقال أبو داود في "مسائله" (ص 158) : رأيتُ أحمد إذا تبعَ الجنازةَ فقربَ مِنَ المَقابرِ خلعَ نَعليْه " وكذا في "العلل" (3091)- طبع بيروت).

فَرَحِمَهُ الله، ما كان أتبَعَهُ للسّنَة ! ].

انتهى قول شيخنا الألباني – رحمه الله تعالى -. انظر : [أحكام الجنائز وبدعها ص 252 – 253].

من أوراد الطعام وشرب اللبن :

من السنن المهجورة الدعاء بعد الطعام : اللهم بارك لنا فيه وارزقنا خيرا منه، وعند شرب اللبن : اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه.

عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال دخلت على خالتي ميمونة وخالد بن الوليد (وهي خالته أيضا) فقالت ميمونة : يا رسول الله ! ألا أطعمك مما أهدى لي أخي من البادية، فقربت ضبين مشويين على قنو فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (كلوا فإنه ليس من طعام قومي، أجدني أعافه)، وأكل منه ابن عباس وخالد، فقالت ميمونة : " لا آكل من طعام لم يأكل منه رسول الله – صلى الله عليه وسلم -" ثم استسقى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأتي بإناء لبن فشرب وعن يمينه ابن عباس وعن يساره خالد بن الوليد، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لابن عباس : (أتأذن لي أن أسقي خالدا) فقال ابن عباس : "ما أحب أن أوثر بسؤر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على نفسي أحدا"، فتناول ابن عباس فشرب، وشرب خالد، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (من أطعمه الله طعاما فليقل : اللهم بارك لنا فيه وارزقنا خيرا منه، ومن سقاه الله لبنا فليقل : اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه، فإني لا أعلم شيئا يجزىء من الطعام والشراب إلا اللبن). قال شيخنا الألباني – رحمه الله تعالى : ( حسن بمجموع الطريقين ) انظر : [ السلسلة الصحيحة 5/411 رقم 2320].

إلى جانب الدعاء يتبيّن لنا فوائـد هامة من هذا الحـديث، بإمكاننا أن نحيي بها سننا:

1. نادت أم المؤمنين ميمونة – رضي الله عنها – رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بمقامــــه الرفيـــــع، ومكانته العاليـــة وذلك بقولــها : " يا رسول الله ! ألا أطعمك مما أهدى لي أخي من الباديـــة"، وبدأت كلامها بسؤال تلفِتُ فيه انتباهه بأن ما تعرض عليه أكله، إنما هو هديــّــة وليست صدقـــــة، لأنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة.

2. تعليل كراهية رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أكل الضب بأنه أمر شخصي لأن نفسه تعافه، وأنه ليس من طعام قومه، وأنّ امتناعه ليس لكِبْرٍ أو لأمر شرعيٍ ينبغي أن تقتدي به الأمة.

3. من حُسْنِ العشرة والأدب مع الزوْج معرفة ما يُحِبّ وما يكره، وموافقته في رغباته، إذا كان ذلك لا يُخالفُ شرعاً، وذلك مما يُقَوّي أواصر الحياة الزوجية، ويُديم الألفة والمَوَدّة. وذلك يتجلّى بقول أم المؤمنين ميمونة – رضي الله عنها – : " لا آكل من طعام لم يأكل منه رسول الله – صلى الله عليه وسلم -".

4. البدء برسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأنه هو الذي طلب السقيا.

5. تقديم الأيمنون في الطعام والشراب على غيرهم وإن كانوا أكبر عمراً وقدرا.

6. مراعاة التربية الإيمانية للأبناء، والتلطف بهم، واستئذانهم لأحقيتهم بالأولوية إذا ترتبوا بأماكنهم، وكانوا الأيمنون في مجالسهم.

فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : ( أتانا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في دارنا ، فاستسقى، فحلبنا له شاة ثم شبته من ماء بئري هذه، قال : فأعطيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، فشرب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر عن يساره، وعمر- رضي الله عنهما – وجاهه ، وأعرابي عن يمينه ، فلما فرغ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من شربه، قال عمر : هذا أبو بكر يا رسول الله ، يريه إياه ، فأعطى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الأعرابي وترك أبا بكر وعمر ، وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ( الأيمنون الأيمنون الأيمنون ) . قال أنس : فهي سنة ، فهي سنة ، فهي سنة ) متفق عليه ، الصحيحة 1771 .

وعن سهل بن سعد الساعدي – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أتي بشراب ، فشرب منه وعن يمينه غلام ، وعن يساره أشياخ ، فقال للغلام " أتأذن لي أن أعطي هؤلاء " فقال الغلام : لا والله، لا أوثر بنصيبي منك أحدا ، قال : فتلّه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في يده ) . متفق عليه ، مختصر صحيح مسلم 1291 .

وفي رواية للبخاري ( 4/ 39 ) والطبراني ( 5792 ) أنه – صلى الله عليه وسلم – قال : ( اسقنا يا سهل ! ) .
فتلّـه في يده : أي وضعه ، قال الخطابي : وضعه بعنف.

قال شيخنا الألباني رحمه الله – تعالى – في التعليق على الحديث : [ وفي الحديث أن بدء الساقي بالنبي – صلى الله عليه وسلم – إنما كان لأنه – صلى الله عليه وسلم – طلب السقيا ، فلا يصح الإستدلال به على أن السنة البدء بكبير القوم مطلقا كما هو الشائع اليوم ، كيف وهو – صلى الله عليه وسلم – لم يفعل ذلك بل أعطى الأعرابيّ الذي كان عن يمينه دون أبي بكر الذي كان عن يساره ، ثم بيّن ذلك بقوله : " الأيمن فالأيمن " انتهى كلامه – رحمه الله وجعل الفردوس الأعلى مأواه. انظر : [ السلسلة الصحيحة جـ 4 ص 373 رقم 1771 ] .

هذه سُنة قد تكون غير معلومة عند البعض:
عن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إِذَا شَرِبْتُمُ اللَّبَنَ فَمَضْمِضُوا؛ فَإِنَّ لَهُ دَسَمًا "[" السلسلة الصحيحة " (1361)].

من السُّنن عند اللِّقاء والافتِراق:

قراءة سورة العصر – التَّسليم

عن أبي مدينة الدارمي – رضي الله عنه – قال : ( كان الرَّجلان مِن أصحابِ النَّبيِّ – صلى اللهُ عليهِ وسلَّم – إذا التَقَيا لم يَفْتَرِقا حتى يقرأَ أحدُهُما على الآخر : { وَالْعَصْرِ – إنَّ الْإنْسَانَ لَفِي خُسْر } ، ثُمَّ يُسلِّم أحدُهما على الآخَرِ ) . [صحيح ، " الصحيحة " برقم (2648)] .

قال العلامة الألباني – رحمه الله – :
وفي هذا الحديث فائدتان مما جرى عليه عملُ سلفِنا – رضي الله عنهم جميعًا- :
إحداهما : التسليم عند الافتراق ، وقد جاء النص بذلك صريحاً من قوله – صلى الله عليه وسلم -: " إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم ، وإذا أراد أن يقوم فليسلم ، فليست الأولى بأحق من الآخرة " .

وهو حديث صحيح مخرج في المجلد الأول من هذه " السلسلة " برقم (183) ، وهو في " صحيح الأدب المفرد " برقم (773/986) وقد صدر حديثا ، وفي " صحيح زوائد ابن حبان " ( …/ 1931) وهو تحت الطبع .

وفي معناه الأحاديث الآمرة بإفشاء السلام ، وقد تقدم بعضها برقم (184 و 569 و 1493) .

والأخرى : نستفيدها من الْتِزام الصحابة لها وهي قراءة سورة العصر؛ لأننا نعتقد أنهم أبعد الناس عن أن يُحْدِثُوا في الدِّين عبادةً يتقربون بها إلى الله ، إلا أن يكون ذلك بتوقيفٍ من رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – قولًا ، أو فعلًا أو تقريرًا .

ولِمَ لَا ، وقد أثنى اللهُ – تبارك وتعالى – عليهم أحسنَ الثناء ، فقال : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرينَ وَالْأنْصَار وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بإحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْري تَحْتَهَا الْأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .

وقال ابن مسعود والحسن البصري : " مَن كَان منكم مُتأسِّيا فلْيتأسَّ بأصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – ، فإنهم كانوا أبرَّ هذه الأمةِ قلوبًا ، وأعمقَها عِلمًا ، وأقلَّها تكَلُّفًا ، وأقومَها هَدْيًا ، وأحسنَها حالا ، قومًا اختارهم اللهُ لصحبةِ نبيِّه – صلى الله عليه وسلم – ، وإقامةِ دينه ، فاعْرِفوا لهم فضلَهم ، واتَّبِعوهُم فِي آثارهِم ، فإنهم كانوا على الهُدى المستقيم " . [الصحيحة (6/1) برقم 2648].

*كفارةُ المجلسِ*

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من قال : سبحان الله و بحمده سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك ، فقالها في مجلس ذكر كانت كالطابع يطبع عليه و من قالهافي مجلس لغو كانت كفارة له " .
السلسلة الصحيحة:81

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا كفر الله له ما كان في مجلسه ذلك "الكلم الطيب223

قال ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب: نعم هذا أيضاً حديث صحيح ينبغي للإنسان أن يختم مجلسه به لأنه كالطابع على المجلس سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .

الجلوس حيث ينتهي المجلس

عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال:
" كنا إذا انتهينا إلى النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلم- ؛ جلس أحدنا حيث ينتهي " [" الصحيحة " برقم (330)]

قال الإمام الألباني -رحمه الله-:
(( وفي الحديث تنبيه على أدبٍ مِن آدابِ المجالِس في عهد النَّبي -صلى الله عليه وسلم-، طالما أهمَله الناس -اليومَ-حتى أهل العلم-: وهو أن الرجل إذا دخل المَجلِس؛ يجلس فيه حيث ينتهي به المَجلِس -ولو عند عتَبة الباب!-.

فإذا وجد مِثله؛ فعليه أن يجلس فيه، ولا يترقَّب أن يقوم له بعض أهل المَجلِس من مجلسه -كما يفعل بعضُ المتكبِّرين من الرؤساء والمتعجرِفين من المتمشيِخين-؛ فإن هذا منهيٌّ عنه -صراحةً- فيقوله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلم- :

" لا يُقيم الرجلُ الرجلَ من مقعدِه ثم يجلس فيه، ولكن تفسَّحوا وتوسَّعوا ".

أخرجه " مسلم " وزاد في رواية: " وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه؛ لم يجلس فيه ".
بل ثبت نهيه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلم- الرجلَ أن يقوم للرجل مِن مجلسه -كما تقدم برقم (228)؛ فتنبَّه! )). [" نظم الفرائد "، (2/381)].

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.