فلسفة التاريخ وفلسفة الواقع
مسألة: إنّ معرفة الواقع الكلي، أو العام، هو المؤثر في فهم فلسفة التاريخ، سواء علم الإنسان هذا الواقع، أو لم يعلمه، فإنّ ما نسميه بتحليل التاريخ، أو ما أشبه ذلك من الألفاظ إنّما نريد به الواقع الذي هو عام، وكلّي في المفردات التاريخية لا ما يزعم أنّه عام. حال ذلك، حال مفردات الدواء، حيث إنّه إنّما يكون دواءً، إذا كانت للمفردات روح عامة في كونه علاجاً، أمّا ما زُعم أنّه علاج، وليس بعلاج، فلا يصحّ أنْ يسمّى فلسفة التاريخ، وإنْ زعم الطبيب ـ مثلاً ـ أنّه هو دواء.
ومن الواضح: أنّ الآثار إنّما تترتّب على الواقع لا على الخيال، والذهن، والفكر، والتصوّر. فإنّ البيضة التـي لا تكـون بيضـة واقعيـة، وإنّمـا فـي صـورة البيضـة، لا تفرخ، وكذلك الحبّة التي هي في صورة الحبّة، ولا تكون حبّة واقعيّة، لا تنبت، وبالعكس إذا زعمنا أنّ هذه البيضة ليست واقعية، وكانت واقعية، فإنها تفرخ، والحنطة إذا زعمنا أنّها ليست بحنطة، وإنّما صورة حنطة بينما هي حنطة واقعية، فإنّها تنبت.
وعلى هذا، فإنّ الواقع هو المؤثّر سواء علمه الإنسان أو لم يعلمه، وغير الواقع لا يؤثّر، علمه الإنسان أو لم يعلمه(129) .
وهناك مسألة أخرى هي مسألة التجرّي، المذكورة في الفقه، والأصول، حيث يتصور الإنسان ما لا واقعية له، فيفعله، أو يتركه، فيكون متجرّياً. مثل ما إذا عَلِمَ ذهناً علماً غير مطابق للواقع بأنّ هذا المائع خمر، وشربه، ولم يكن في الواقع خمراً، فإنّ هذا الإنسان هو المتجرّي سواء كان بالنسبة إلى ما فعله أو ما تركه، وهذا ينطبق على فلسفة التاريخ، فيمكن أن تكون هناك وثيقة لا يدركها الإنسان، ومع ذلك يدرك الواقع بالحاسّة السادسة، أو ما أشبه ذلك.
وعليه: فقد لا تكون وثيقة، لكن الواقع يدرك بسبب الحاسّة السادسة.
فهناك ثلاثة أشياء: الواقع، والإدراك، والوثيقة ـ كما أسلفنا سابقاً ـ وكلّ واحد منها قد لا يرتبط بالآخر، فقد يكون واقع مع إدراك، أو بدون إدراك، وقد يكون لا واقع بإدراك خطأ، أو لا. وقد يكون لا واقع بوثيقة خطأ، وبدونها، وقد يكون واقع بوثيقة، أو بدونها.
وعلى كلّ حال: فعلى المؤرّخ أن ينفذ ببصيرته، وإدراكه، واستقرائه، من خلال القشرة التي تغطي سطح الأحداث؛ ليكتشف ببصيرته الفكر الكامن وراءها، ولذا قال أحدهم: إن نظرة قدسية تكشف عن الحيوية المتدفّقة بما تنطوي عليه من ثراء في الأحاسيس، والمشاعر، وتنوّع في الكيفيّات، وأزمات وحلول، وحرب وسلم، من حبٍّ وكرهٍ لمنهجٍ صحيحٍ ـ في أيّ بعد من أبعاد الحياة ـ أو غير صحيح. كلّ ذلك بالنسبة إلى الحياة بكلّ فعلها، وانفعالها، وصخبها، وهدوئها. ولا يمكن الوصول إلى شيء من ذلك إلاّ بالاستقراء التامّ، أو بالانكشاف الحدسي القطعي، كمن يشاهد النار في العراق، وفي إيران، وفي مصر، وفي سوريا، وما أشبه ذلك، ثمّ يحكم أنّ النار في روسيا، والصين، وفيتنام أيضاً محرقة، وتبعث على الإضاءة، وتعطي الحرارة، بينما لم يشاهد إلاّ قليلاً من النيران الموجودة في المكان المعيّن، أو أمكنة معيّنة، أو في الزمان المعيّن، أو الأزمنة المعيّنة.
لكنّ الحدس يعطي ما وراء ذلك، الذي هو الروح العامة في النيران مطلقاً، وهذا الحدس هو المعيار للمنطقيين في كلماتهم بالنسبة إلى الصناعات الخمس لا الحدس الذي لا حجّية فيه ولا اكتشاف للروح العامة.
أمّا الاستقراء الناقص؛ الذي ليس من مواضع الحدسيّات العلمية التي ذكرناها، فلا يفيد علماً، وعملاً، وإن ظنّ الإنسان بالجامع والفلسفة، لأنّ ((الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً))(130)، فلا ينكشف الواقع، والكلّي، والفلسفة، في الأمور المشتتّة المتباعدة مكاناً، أو ما أشبه ذلك.
نعـم، هناك مـن يبني الأمـور علـى الاستقـراء الناقـص، وذلك من التواضع لا من الحقيقة، فهناك فرق بين أن يتبنى جماعةٌ أحكاماً على ما يستقرئونه استقراءً ناقصاً، وبين أن يراد الواقع الجامع الذي لا ينكشف إلاّ بالاستقراء التامّ، أو بسبب الحدس العلمي القطعي الذي ذكرناه.
وليس معنى ما ذكرناه أنّ الاستقراء الناقص قد لا يصادف الواقع، وإنما المعنى أنّه لا يمكن الاعتماد على الاستقراء الناقص في العليّة والمعلوليّة، واتّخاذ الآثار المترتّبة على الواقع العام، ـ مثلاً ـ إذا وجد إنسانٌ خمرَ التمرِ مُسكراً،وكذلك خمر الزبيب، والعنب، والتفّاح، وما أشبه ذلك، فحكم أنّ كلّ خمر مسكر بدون موازين الحدس التي ذكرناها، فإنّ الاستقراء وإن كان ناقصاً إلاّ أنّه أصاب الواقع، ويكون أثر الواقع مترتّباً على كلّ خمر، لكنّ الكلام هنا في أنه كيف نتمكّن أن نستدلّ على العلّية الواقعية، والمعلولية الواقعية، بالاستقراء الناقص، إذا لم يكن هناك حدس قطعي، ولم تكن هناك مطابقة للواقع، وإن لم يصل الفيلسوف، أو المؤرّخ، أو العالم إلى ذلك الواقع؛ بسبب أحد الأمرين السابقين من الاستقراء التامّ، أو الحدس القطعي؛ بالكاشف للجامع.
ثمّ بالإضافة إلى سلامة المادّة ممّا ذكروه في الصناعات الخمس، وجوب سلامة الهيئة ممّا ذكروه في الأشكال الأربعة المنطقية، وكلّ واحد منهما لا يغني عن الآخر على نحو القاعدة الكلّية، وإن كان أحياناً يصادف الواقع بشكل غير منطقي، أو بمادّة غير منطقيّة، فإنّ اللازم في العلوم، القواعد الكلّية لا الجزئيات الخارجية. فإنّ الجزئي علـى اصطلاح المنطقيين لا يكـون كاسباً ولا مكتسباً، ولا يفيد علماً ولا عملاً، إلاّ في نطاق جزئي خارجي، من قبيل القضايا الخارجية التي ذكروها.
والكلام في العلوم إنّما يدور حول القضايا الحقيقية، بحيث كلّما وجد الموضوع، وجد الحكم، أو كلّما رأينا وجدان الحكم، اكتشفنا وجدان الموضوع بالدليل الإنّي، فإنّه كما يدل الأثر على المؤثّر بالدليل الإنّي، كذلك يدلّ المؤثّر على الأثر بالدليل اللمّي؛ لفرض العلّية والمعلولية.
مهمـةَ جدآ حلقةَ بحثٌ فلسفة التاريخ وفلسفة الواقع
يسلمو دياتك ع الطرح خيو
تحياتى لك
يسآـموَ تيموَريـةَ ع آلـمرورَ
منوَرٍ متصفحيَ كآزآَ
يعطيگك آلعـآفيههٓ . .
وديٍ . .}
يسَسآـمـوٍوَ ع آلـمروٍرَ آفَ فوٍور
نورتي (~