وراء باب داري القديمة غرباء
استيقظت صباح هذا اليوم على حلم جميل ، فيه رأيت بيت الطفولة ، يزهى على ربوة …وتلفه أشجار اللوز المزهرة من كل الجهات ، حتى بدا كعروس تتألق بثوبها الأبيض …………..
بيت الطفولة فيما مضى ، كان موطني الصغير ، كان عشي وأمني ومصدر راحتي ….
كان لداري حديقة كبيرة ، بتراب أحمر له رائحة عتيقة كرائحة المطر ، فيها أربع شجرات زيتون وشجرة اجاص وشجرة تفاح كبيرة ضخمة ، يا ما تسلقنا فروعها ولعبنا على أغصانها …
وعندما كبرت كان لا يحلو لي الدراسة إلا تحت عريشتها ( شجرة العنب ) ، ممتزجة بزقزقة العصافير الدورية …
وكنت أدرس في الجامعة ، في منطقة تبعد حوالي ساعة وأكثر عن داري ، وكنت أفضل السفر على البقاء مع صديقاتي في السكن الجامعي ، وأقطع المسافات بردا أو حرا ، عواصفا أو ثلجا ، مطرا أو صحوا …المهم أن أبقى للدراسة في داري …
وأقدم الامتحان ثم أعود لأحضانها …
وإذا اضررت للغياب كنت أبكي بحرقة لعدم تمكني من الذهاب اليها …
في يوم زفافي بكيت مطرا على فراقها ….
ثم مرت الأيام وأصبح بيت الزوجية وطني وعشي …
ولكنّ معزّة داري القديمة لن يزول أبدا …
وفي يوم كنت آتية للزيارة مع زوجي ، وعندما دخلت الدار فوجئت بجدار عال يخفي الحديقة ..
شعرت بالاختناق ، وبكآبة سوداء تعتصر قلبي الصغير …
كان أخي بعد زواجه قد قطع الأشجار وبنى بيتا له مكان الحديقة …
وأخي الآخر سكن في قسم البناء …. فانقسمت الدار الى بيتين …
ومرت الأيام ….
وباع الأخوان الدار القديمة والبناء الجديد ….
ولم يعد لدي دار طفولة … وماتت ذكرياتي … أهداها أخوايّ للغرباء ..
حتى لم أعد أجرؤ على النظر عند المرور قربها … أو قرع الباب ..
لأن وراء الباب غرباء …
ذكريات الطفولة بقيت في دمعي الذي ينهال على وجنتي عند التذكر …
بقيت في ابتسامتي الحيرى ….
بقيت في قلبي ..
في عقلي الباطني الذي جعلني أرى هذا الحلم …
قررت أن أكتب لكن ، في قسم أسرار البنات ، لأني أعرف أن شعور البنات كشعوري، عندما كنت بنتا تدرس ولا تشعر بالأمان إلا في دارها …
كتبتُ هنا لأني أريد تنبيه البنات ، كي لا يعطي الأهل الدار للأولاد يمزقوها ويفصلوها ثم يبيعوها …
لأنها دار الذكريات القديمة ….
وأريد أن أسأل البنات :
ماذا تعني لك دارك او بيتك ؟؟؟
ماذا تفعلين لو كنت مكاني ؟؟
أنا لم أفعل شيئا وابتعدت بصمت
هل كان عليّ التحدث ، أو منع عملية البيع بطريقة ما ؟
وشكرا لكن وعذرا منكن على ادخالكن في التفاصيل الصغيرة ..
أخيرا هذه الأبيات للشاعر أبو سلمى ( عبد الكريم الكرمي ) أهديها لكن :
هل تسألين النجم عن داري وأين أحبابي وسماري
داري التي أغفت على ربوة حالمة بالمجد والغار
الشمس لا تضحك الا لها تهدي اليها وشي أستاري