تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » معنى الوجود

معنى الوجود

في أن مفهوم الوجود مشترك معنوي
النقطة الأولى: ما المقصود بالمشترك اللفظي والمشترك المعنوي؟ وما الفرق بينهما؟
إن المشترك اللفظي يعني أن لفظاً واحداً يكون موضوعاً لعدة معاني، وكل معنى يغاير المعنى الآخر، كلفظ العين، فهو لفظ واحد موضوع لمعاني عديدة، هي الباصرة، النابعة، الذهب والفضة، وغيره، فهذا اللفظ يسمى بالمشترك اللفظي، وإذا تغايرت المعاني في المشترك اللفظي اختلفت وتغايرت المصاديق، كلفظ زيد، فانه يوضع لأفراد واعلام متعددة بعدد الافراد الموضوع لهم.
أمّا المشترك المعنوي، فهو أن هناك لفظاً واحداً موضوعاً لمعنى واحد ولكنه معنى واضح، عام، كلي، وله مصاديق متعددة، كلفظ الكتاب، فهو لفظ موضوع لمعنى الكتاب، فاللفظ واحد والمعنى واحد، والمعنى _معنى الكتاب _ كُلّي، عام، وهذا المعنى له مصاديق متعددة، لأن معنى الكتاب، ينطبق على الكتاب الصغير والكتاب الكبير، المطبوع والمخطوط، القديم والحديث، فالإشتراك هنا في المعنى، ولكن المصاديق مختلفة ومتغايرة، ولذلك نقول المشترك هنا معنوي.
النقطة الثانية: متى ظهرت هذه المسألة؟
أما تاريخ هذه المسألة، فإن هذه المسألة مما ورثته الفلسفة الإسلامية من الفلسفة اليونانية، اذ ظهرت اولاً على يد المتكلمين، فقد ظهر بينهم بحث يرتبط في مسألة التشبيه والتنزيه في صفات الله تعالى، ومنهم من ذهب الى التنزيه، فقال كل ما يصدق على المخلوق لا يمكن ان يصدق على الخالق، ولهذا قالوا: أن معنى العالم الذي يصدق وينطبق على المخلوق معنى معين لا يمكن أن ينطبق على الخالق بنفس المعنى، وعلى هذا الأساس فمعنى الوجود في المخلوق يغاير معناه في الخالق. وهناك اتجاه آخر هو اتجاه التشبيه، وهذا الاتجاه ذهب إلى أن ما يصدق على المخلوق يصدق على الخالق، ولهذا قالوا أن معنى سميع في الخالق أنه يسمع بآلة للسمع كما أن المخلوق يسمع بآله للسمع هي الأذن، وكذلك بصير وغيره مما يصدق على المخلوق فانه يصدق على الخالق، فنشأت اثر ذلك فكرة الاشتراك اللفظي، ففي اتجاه التنزيه يكون معنى (موجود) في قولنا (الله موجود) غير معناه في قولنا (الإنسان موجود).
وهنا ينبغي أن نشير إلى أن التراث الكلامي لمدرسة أهل البيت عليهم السلام عالج مسألة التنزيه والتشبيه، فعندما نرجع الى نهج البلاغة مثلاً نجد الأمام علياً عليه السلام يتحدث عن صفات الله تعالى في أكثر من موضع، وكان بحثه عميقاً ودقيقاً، وقد ذهب المتكلمون الشيعة إلى أن ما يصدق على المخلوق نوعان:
الأول: ما فيه شائبة النقص.
الثاني: ما يحكي عن الكمال وان ما فيه شائبة النقص، كالجهل، العجز، البخل، وغيره، كل النواقص تعود إلى العدم، فالجهل يعود الى عدم العلم، والعجز يعود الى عدم القدرة، البخل يعود الى عدم الكرم. والكمالات تعود الى الوجود، فالعلم أمر وجودي، وكذلك القدرة، والكرم، فكل الكمالات تعود إلى الوجود، وما نسلبه عنه تعالى من صفات، عندما ننزهه ونقول: سبحان الله، انما ننزهه عمّا فيه شائبة النقص، وما نصف به الخالق تعالى هو الكمال الذي يعود الى شدة الوجود، فيمكن استخدام المعاني التي تعود الى الكمال في ذات الحق تعالى، فنقول: هو عالم، هو خالق، هو قادر، هو كريم، وليس في ذلك تشبيه. ومن هنا يصح ما قيل؛ وفي كل شيء له آية، أي أن المخلوقات تكون آيات للحق لأنها مظهر للحق.
فاذاً يكون هذا البحث قد نشأ من اختلافٍ ظهر بين المتكلمين المسلمين في القرن الثاني الهجري، وتطوّر البحث في القرن الرابع الهجري، لدى المتكلمين المعروفين، وأشهرهم المتكلم أبو الحسن الأشعري الذي وضع القواعد والأسس العقلية لاتجاه المحدّثين، ومن أبرز كتبه "مقالات الإسلاميين" ومن أبي الحسن الأشعري افترق السنة الى اتجاهين: اتجاه المحدّثين، الذين اعتمدوا على ظواهر النصوص وتقيدوا بحرفيتها، الاتجاه الظاهري، والأتجاه الآخر، هو الذي انتسب إلى الأشعري، ومن انتسب إليه عُرف بالأشاعرة.
النقطة الثالثة: ما هي أهميّة هذه المسألة؟
تظهر قيمة هذا البحث في جملة مسائل أساسية في الفلسفة، وخاصة لدى مدرسة الحكمة المتعالية، حيث يتوقف اثبات تلك المسائل على أن الوجود مشترك معنوي، كمسألة أصالة الوجود، وهذه المسألة هي المحور الأساسي الذي تتمحور حوله المسائل الأخرى في مدرسة الحكمة المتعالية. كما أن مسألة وحدة الوجود التشكيكية تقوم على اصالة الوجود، وبالتالي فهذه المسألة تقوم على القول بالإشتراك المعنوي للوجود، إذ لو لم يكن مفهوم الوجود واحداً لما أمكن القول بوحدة الوجود التشكيكية، فهذه ثمرة لمسألة الاشتراك المعنوي للوجود.
كما ان هذا البحث تظهر فائدته في مسألة أن موضوع الفلسفة واحد وليس متعدداً، إذ أننا لو نقل بالإشتراك المعنوي للوجود، فإن موضوع الفلسفة لا يكون الوجود أو الموجود بما هو موجود، باعتبار ان معناه لا يكون واحداً، لأن معنى الوجود أو الموجود سيتعدد بتعدد الموجودات، فيكون لكل مسألة موضوع خاص بها، ولا يوجد موضوع كلي جامع يكون محوراً جامعاً لمسائل الحكمة الالهية.
الأقوال في هذه المسألة:
في المسألة قولان أساسيان:
الأول: ما ذهب اليه الحكماء: وهو أن الوجود مشترك معنوي مطلقاً بين الواجب والممكن والممكنات جميعاً. بمعنى أنه لو قلنا الواجب موجود، الانسان موجود، الكتاب موجود، فإن معنى موجود "المحمول" في القضية الاولى "الله موجود" نفس معناه في القضية الثانية "الإنسان موجود".
وهنا ننبّه على أن كلامنا في المفهوم لا في المصداق، وإلاّ فمِمّا لا إشكال فيه، أن حقيقة الواجب تعالى في الخارج تختلف عن حقيقة الممكن، أي حقيقة مخلوقاته.
إن المفهوم من كلمة موجود، ومعنى هذه الكلمة هو الأمر (الثابت، الخارجي، الحقيقي) فمعنى موجود في هذه القضايا واحد، ولذلك فهو مشترك معنوي، لكن مصاديقه متغايرة، كما أن الكتاب مشترك معنوي ومصاديقه مختلفة.
الثاني: القول بالإشتراك اللفظي: وهذا القول فيه تفصيل، فمنهم من قال إن الوجود مشترك لفظي بين الموجودات، أي أن الوجود له معاني بعدد الموجودات، وبذلك يكون الوجود أوسع مشترك معنوي لأنّه يتعدد معناه بتعدد الموجودات، فمعنى الموجود أو الوجود يكون بعدد الموجودات.
بيان ذلك، عندما نقول: القلم موجود، الكتاب موجود، السماء موجودة..الخ، فمعنى موجود في كل قضية غير معناه في القضية الأخرى، وبذلك يكون معنى الوجود متعدد بتعدد الموجودات، وان معناه في الواجب غير معناه في الممكن، وبذلك يكون الوجود مشتركاً لفظياً، فهو لفظ واحد لكن معانيه متعددة.
ومنهم من قال: إن الوجود مشترك لفظي بين الواجب والممكن، أي للوجود معنيان فمعناه في الواجب غير معناه في الممكن، فهو ايضاً قول بالإشتراك اللفظي، لكن معناه في الممكنات واحد، وليس متعدداً مثلما يرى القول السابق بالإشتراك اللفظي.
بعد هذا التفصيل تكون الأقوال ثلاثة: فقول بالإشتراك المعنوي بين الواجب والممكنات. وقول بالإشتراك اللفظي بين الموجودات بأسرها. وقول بالإشتراك اللفظي بين الواجب والممكن. أمّا في الممكنات فيكون الاشتراك معنوياً.
القول الأول: هو مختار الحكماء، اذ ذهبوا الى أن الوجود مشترك معنوي، أي يُحمل على الواجب والممكن والممكنات جميعاً بنفس المعنى، واستدل الطباطبائي على ذلك بثلاثة أدلة، هي:
1_ أن مفهوم الوجود يقع مقسماً في تقسيم حقيقي، وهذا ينسجم مع القول بالإشتراك المعنوي فيما لا ينسجم مع القول بالإشتراك اللفظي.
بيان ذلك، أنّه لو اردنا أن نقسم "الكلمة" قسمة حقيقية، فالكلمة تقع مقسماً لكل من: الاسم والفعل والحرف، وهنا لو لاحظنا هذا المقسم "الكلمة" نجده موجوداً في جميع الأقسام حقيقةً، الكلمة موجودة في الاسم، لأن الاسم مصداق للكلمة، والكلمة موجودة في الحرف، لأن الحرف مصداق الكلمة، وكذلك في الفعل، فالفعل أيضاً مصداق للكلمة، ولكن هناك اختلاف في الخصوصيات، لأن خصوصيات الحرف وقيوده واحواله غير خصوصيات الفعل والاسم وأحوالهما وقيودهما.
وهكذا الأمر في مفهوم الوجود، فانه يمكن تقسيمه الى الواجب والممكن، ومعناه في الواجب نفس معناه في الممكن، لأن الواجب موجود، والممكن موجود، والممكن يمكن تقسيمه الى جوهر وعرض، والجوهر يمكن تقسيمه الى أقسامه الخمسة المعروفة: عقل ونفس وصورة وجسم ومادة، والعرض يمكن تقسيمه الى أقسامه المعروفة ايضاً، كيف وكم ومتى.. الخ والتقسيم يعني ضمّ القيود إلى مورد القسمة، أي عندما نقول: الوجود واجب وممكن، فالواجب هو الوجود زائداً خصوصيّة معينة، هي أنه مستغنٍ عن غيره، والممكن هو الوجود زائداً خصوصية معينة، هي أنه مفتقر الى غيره، فالمقسم، موجود في كل هذه الأقسام، والقسم هو مجموع مورد القسمة مع القيد، أي الممكن يساوي الوجود زائداً القيد (الممكن = الوجود + القيد) والقيد (هو أنه مفتقر إلى غيره).
فقبول الوجود للقسمة الحقيقية، ووجود المقسم في جميع الأقسام يدل على أن الوجود مشترك معنوي، لأنه لو كان مشتركاً لفظياً لما صحّت القسمة بهذه الكيفية.
2_ انا ربما أثبتنا وجود شيء ثم تردّدنا في خصوصيّة ذلك الشيء، فلو أثبتنا أنه في هذا المكان _ولنفترضه بيتاً مغلقاً _ يوجد حيوان، ولكن حصل لدينا تردد في هذا الحيوان أهو انسان أم ليس بانسان، فلو نفينا كون هذا الحيوان ناطقاً، كأن سمعنا صوتاً يدل على أن هذا الحيوان ليس بانسان، فلو كان معنى الوجود في الإنسان غيره في الحيوان لأمكننا نفي الانسان هنا وبنفيه ينتفي كل وجود، فالانسان موجود، ومعنى موجود فيه غير معناه في قولنا (الفرس موجود)، فإذا نفينا الإنسان لابد أن ينتفي معه الوجود، أي وجود الحيوان الآخر بينما نحن نفينا وجود الانسان فقط، ما زلنا نؤمن بوجود حيوان، ولكنه ليس بإنسان، فعليه لو لم يكن للوجود معنىً واحد، أي لو كان الوجود مشترك لفظياً ومعناه متعدداً بتعدد موضوعاته، لتغير معناه بتغير موضوعاته، حسب الاعتقاد بالبداهة.
3_ الوجود نقيض العدم، والعدم له معنى واحد، فعدم الأرض وعدم السماء وعدم المطر، العدم في كل ذلك بمعنى واحد، لأن العدم لا شيء، والتميّز إنما هو بالوجود، إذ لا فرق في الأعدام من حيثُ العدمُ، فإذا كان معنى العدم واحداً، فلابد أن يكون معنى الوجود الذي هو نقيض العدم واحداً أيضاً. وإلا يلزم من ذلك ارتفاع النقيضين. فإنّه لو كان للوجود اكثر من معنى، أي كان معنى الوجود في الإنسان غير معناه في الكتاب، فقولنا الإنسان موجود، يعني ارتفاع العدم لأنه نقيضه، وفي قولنا الكتاب موجود، كذلك العدم مرتفع، ومعنى موجود في الكتاب غير معنى موجود في الإنسان بناءاً على الاشتراك اللفظي لا المعنوي. اذاً في قولنا الإنسان موجود، العدم مرتفع لأنّه نقيضه بالبداهة، كما أن الوجود مرتفع، أي معنى الوجود المقيّد بالكتاب، فيرتفع بذلك عن شيء واحد "الإنسان" الوجود والعدم وهذا محال، لأنّه ارتفاع النقيضين، فلابد أن يكون معنى الوجود في الإنسان وفي الكتاب واحداً.
وأما القول بالإشتراك اللفظي للوجود، وان الوجود يتعدد معناه بتعدد الموجودات، فهو منسوب إلى أبي الحسن الأشعري، وإلى أبي الحسين البصري الذي هو احد كبار رجال المعتزلة. والقول الآخر في الاشتراك اللفظي، وان الوجود مشترك لفظي ومعناه في الواجب غيره في الممكن منسوب إلى القاضي سعيد القمي، وينسبه الى بعض المحدثين أيضاً، وهو يعني أن معنى الوجود في الممكنات كافة هو التحقق والثبوت، وفي الواجب هو سلب النقيض أي ليس بمعدوم.
قد يقال: ما هو السبب الذي أدّى بهؤلاء الى القول بالإشتراك اللفظي للوجود، سواء بين الواجب والممكن، أو بين الممكنات كافة؟ قالوا: حذراً من لزوم السنخية بين الخالق والمخلوق، أي حتى لا نقول بالمشابهة بين الخالق والمخلوقات.
لذلك قالوا بأن معنى الوجود في الخالق غير معناه في المخلوق.
والرد على ذلك:
أولاً: أن الشرط الأساسي في نظام العلية هو وجود السنخية بين العلة والمعلول، وأن السنخية لا تتنافى مع الآية الكريمة (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، فالسنخية إذاً من شرائط العلية والمعلولية.
ثانياً: أن الاشتراك اللفظي يلزم منه لوازم باطلة، إذ يلزم منه تعطيل العقول من معرفته تعالى، لأنه اذا كان معنى الوجود في الواجب غير معناه في الممكن، فذلك المعنى لا يخرج عن أحد ثلاثة:
إمّا أن المفهوم من قولنا (الواجب موجود) نفس المفهوم من قولنا (الممكن موجود) فهذا هو القول بالإشتراك المعنوي.
أو أن المفهوم من قولنا (الممكن موجود) نقيض (موجود) في قولنا (الواجب موجود)، ونقيض الموجود هو المعدوم، وهذا يعني نسبة العدم إليه تعالى عن ذلك، وهذا يعني نفياً لوجوده.
أو انا لم نفهم من معنى قولنا (الواجب موجود) شيئاً، بينما معنى قولنا (الإنسان أو الممكن موجود) أنه ثابت واقعي، فيلزم من ذلك تعطيل العقل عن معرفته تعالى، بينما قال أمير المؤمنين عليه السلام (أول الدين معرفته، وكمال الدين التصديق به). ونحن نجد انا نعرفه ونؤمن به تعالى، فالنفس تنزع نزوعاً فطرياً للإيمان بالله تعالى، إلاّ إذا حصل ما يحجب هذه الفطرة فقد تنحرف، والعياذ بالله.

موضوع جميل عن الوجود يسلمو

يعطيك العافيه اخووي

مجهود رائع

دمت بخير
جزاك الله خير الجزاء

علي هالموضوع الرائع

بارك فيك و احسن الله سفرك

السسلا‘م عليكم ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©

تسلم ايدك

موضوع رائع

جزاك الله كل خيرٍ ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©

يعطيك آلعآفيه . وردي ..ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©

يسلموو الاياادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.