شرح حديث ( من قال رضيت بالله ربا ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد رسولا وجبت له الجنة )
( من قال :رضيت بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً وجبت له الجنة ) .
شرح الحديث:
هذا الحديث يرويه الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ قَالَ : رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا ، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ )رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (6/36)، وعبد بن حميد في " المسند " (ص308)، وأبوداود في " السنن " (رقم/1529)، والنسائي في " السنن الكبرى " (9/7)، وابن حبان في " صحيحه " (3/144)، والحاكم في " المستدرك " (1/699) وقال : " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ".
جميعهم من طريق زيد بن الحباب ، حدثنا عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني ، حدثني أبو هانئ الخولاني ، أنه سمع أبا علي الجنبي ، أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه .
وهذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات ، ليس فيه مطعن ظاهر .
وجاء الحديث أيضا بلفظ قريب من اللفظ السابق ، رواه أحد تلاميذ أبي هانئ الخولاني ، وهو عبدالله بن وهب ، عن أبي هانئ ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي – وليس عن أبي علي الجنبي – عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَا أَبَا سَعِيدٍ ، مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا ، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ . فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعِيدٍ ، فَقَالَ : أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ ، فَفَعَلَ ، ثُمَّ قَالَ : وَأُخْرَى يُرْفَعُ بِهَا الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، قَالَ : وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ ، الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ ) .
رواه الإمام مسلم في " صحيحه " (رقم/1884) والنسائي في " السنن الكبرى " (9/7) وقال – منبها على الاختلاف على أبي هانئ – : " خالفه عبد الله بن وهب ، رواه عن أبي هانئ ، عن أبي عبد الرحمن ، عن أبي سعيد ", وقال الطبراني في " المعجم الأوسط " (8/ 317): " ورواه الليث بن سعد ، وعبد الله بن وهب ، عن أبي هانئ ، عن أبي عبد الرحمن ، عن أبي سعيد ".
وهذا الاختلاف في الإسناد على أبي هانئ لا يضر إن شاء الله ، فسياق الحديث واحد تقريبا ، وإن كان الأرجح هو السياق الثاني ، وذلك لثلاثة أدلة :
الدليل الأول : أن عبدالله بن وهب أوثق من عبد الرحمن بن شريح ، فقد كان أحد الأئمة الأعلام ، وجاء في ترجمته في " تهذيب التهذيب " (6/73): " قال الحارث بن مسكين : جمع ابن وهب الفقه ، والرواية ، والعبادة ، ورزق من العلماء محبة وحظوة من مالك وغيره . وكان يسمى ديوان العلم ، قال ابن القاسم : لو مات ابن عيينة لضربت إلى ابن وهب أكباد الإبل ، ما دون العلم أحد تدوينه ، وكانت المشيخة إذا رأته خضعت له ".
الدليل الثاني : أن السياق الثاني أخرجه واختاره الإمام مسلم رحمه الله ، وانتقاء مسلم أولى من انتقاء غيره ، فقد أجمعت الأمة على جلالة صحيحه ودقته وحسن انتقائه .
الدليل الثالث : ثم إن الطبراني في " المعجم الأوسط " (8/317)، والبيهقي في " شعب الإيمان " (6/ 118) روياه من طريق عبدالله بن صالح ، عن عبدالرحمن بن شريح ، عن أبي هانئ ، باللفظ الذي روى به عبدالله بن وهب عن أبي هانئ ، ما يدل على أن الأصل الثابت هو سياق حديث عبد الله بن وهب .
يقول ابن القيم رحمه الله – في التعليق على هذا الحديث ، وحديث ( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا ) -:
" هذان الحديثان عليهما مدار مقامات الدين ، وإليهما تنتهي ، وقد تضمنا الرضا بربوبيته سبحانه وألوهيته ، والرضا برسوله والانقياد له ، والرضا بدينه والتسليم له ، ومن اجتمعت له هذه الأربعة فهو الصديق حقا . وهي سهلة بالدعوى واللسان ، وهي من أصعب الأمور عند الحقيقة والامتحان ، ولا سيما إذا جاء ما يخالف هوى النفس ومرادها .
فالرضا بإلهيته يتضمن الرضا بمحبته وحده ، وخوفه ، ورجائه ، والإنابة إليه ، والتبتل إليه ، وانجذاب قوى الإرادة والحب كلها إليه ، وذلك يتضمن عبادته والإخلاص له .
والرضا بربوبيته يتضمن الرضا بتدبيره لعبده ، ويتضمن إفراده بالتوكل عليه ، والاستعانة به ، والثقة به ، والاعتماد عليه ، وأن يكون راضيا بكل ما يفعل به .
فالأول يتضمن رضاه بما يؤمر به . والثاني يتضمن رضاه بما يُقدَّر عليه .
وأما الرضا بنبيه رسولا فيتضمن كمال الانقياد له ، والتسليم المطلق إليه ، بحيث يكون أولى به من نفسه ، فلا يتلقى الهدى إلا من مواقع كلماته ، ولا يحاكم إلا إليه ، ولا يحكم عليه غيره ، ولا يرضى بحكم غيره ألبتة ، لا في شيء من أسماء الرب وصفاته وأفعاله ، ولا في شيء من أذواق حقائق الإيمان ومقاماته ، ولا في شيء من أحكام ظاهره وباطنه ، لا يرضى في ذلك بحكم غيره ، ولا يرضى إلا بحكمه ، فإن عجز عنه كان تحكيمه غيره من باب غذاء المضطر إذا لم يجد ما يقيته إلا من الميتة والدم ، وأحسن أحواله أن يكون من باب التراب الذي إنما يتيمم به عند العجز عن استعمال الماء الطهور .
وأما الرضا بدينه فإذا قال ، أو حكم ، أو أمر ، أو نهى : رضي كل الرضا ، ولم يبق في قلبه حرج من حكمه ، وسلم له تسليما ولو كان مخالفا لمراد نفسه أو هواها ، أو قول مقلده وشيخه وطائفته ، وهاهنا يوحشك الناس كلهم إلا الغرباء في العالم ، فإياك أن تستوحش من الاغتراب والتفرد ، فإنه والله عين العزة ، والصحبة مع الله ورسوله ، وروح الأنس به ، والرضا به ربا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا ، وبالإسلام دينا … فمن رسخ قدمه في التوكل والتسليم والتفويض حصل له الرضا ولا بد ، ولكن لعزته وعدم إجابة أكثر النفوس له وصعوبته عليها لم يوجبه الله على خلقه رحمة بهم ، وتخفيفا عنهم ، لكن ندبهم إليه ، وأثنى على أهله ، وأخبر أن ثوابه رضاه عنهم ، الذي هو أعظم وأكبر وأجل من الجنان وما فيها .
فمن رضي عن ربه رضي الله عنه ، بل رضا العبد عن الله من نتائج رضا الله عنه ، فهو محفوف بنوعين من رضاه عن عبده : رضا قبله أوجب له أن يرضى عنه ، ورضا بعده هو ثمرة رضاه عنه ، ولذلك كان الرضا باب الله الأعظم ، وجنة الدنيا ، ومستراح العارفين ، وحياة المحبين ، ونعيم العابدين ، وقرة عيون المشتاقين " انتهى باختصار من " مدارج السالكين " (2/171).
وقال بدر الدين العيني رحمه الله :
" قوله : ( رضيت بالله ربا ) أي : قنعتُ به ، واكتفيت به ، ولم أطلب معه غيره . قوله : (وبالإسلام دينًا ) أي : رضيت بالإسلام دينا بمعنى : لم أسْع في غير طريق الإسلام ، ولم أسْلك إلا ما يوافق شريعة محمد- عليه السلام . قوله : ( وبمحمد رسولا ) أي : رضيت بمحمد رسولا بمعنى : آمنتُ به في كونه مُرسلا إليّ وإلى سائر المسلمين . وانتصاب " ربا " و " دينًا "
و" رسولا " على التمييز ، والتمييز وإن كان الأصل أن يكون في المعنى فاعلا يجوز أن يكون مفعولا أيضًا كقوله تعالى ( وفجرْنا الأرْض عُيُونًا ) ويجوز أن يكون نصبها على المفعولية لأن" رضِي " إذا عُدي بالباء يتعدى إلى مفعول آخر " انتهى من " شرح سنن أبي داود " (5/439)
والله أعلم .
لصمتي حكاية العثل
شرح رائع ومفيد وكافي ووافي
جزانا الله واياكم بكل خير
امنياتي الطيبه بكل ود
يسلموو الاياادي
موفق بإذن الله … لك مني أجمل تحية .
شرح حديث ( من قال رضيت بالله ربا ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد رسولا وجبت له الجنة )
عليه افضل الصلاة والسلآم
بارك الله فيك اخي وجزاك خيرا
على هذا الطرح الجميل والشرح المفيد
جعله في ميزان حسناتك
جزاك الله خير ونفع بكـ
وجعل الجنة مثوى لك
وحعله في ميزان حسناتك
يعطيك العافيه
شرح حديث ( من قال رضيت بالله ربا ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد رسولا وجبت له الجنة )
( من قال :رضيت بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً وجبت له الجنة ) .
شرح حديث ( من قال رضيت بالله ربا ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد رسولا وجبت له الجنة )
هذه الصورة بحجم اخر انقر هنا لعرض الصورة بالشكل الصحيح ابعاد الصورة هي 660×413.