مهمّة المؤرّخ
مسألة: على المحلل التاريخي أن يراعي ظروف الزمان والمكان والشرائط والخصوصيات والملابسات للأحداث والأمم التي أصابتها تلك الأحداث، وألاّ يصدر أحكام الزيغ والضلال على الماضي، أو إصدار أحكام الزيغ والضلال على المستقبل حسب موازينه الشخصية.
إنّ إصدار أحكام الزيغ والضلال خاصّ بالله سبحانه وتعالى وبأنبيائه عليهم أفضل الصلاة والسلام سواء كان بالنسبة إلى الماضي أو بالنسبة إلى المستقبل، فلا يحقّ للمؤرّخ والفيلسوف أن يجعل من نفسه واعظاً عقيدياً معتمداً على ذوقه الشخصي، لأنّ ذلك لن يؤدّي إلاّ إلى أحكام خاطئة إذا قيست بعقلية ذلك العصر، الذي يدرسه سواء بالنسبة إلى العصر الماضي أو العصر المستقبلي، فإنّ لكلّ عصر تاريخاً بل لكلّ حقبة ذلك، كما أنّ لكلّ حضارة شخصيتها وقيمها، وليس للمؤرّخ أن ينظر إلى الماضي من خلال معايير الحاضر، كما أنه لم يكن للمؤرخ السابق أن ينظر إلى الحضارة الحاضرة حسب مقاييس الماضي، وإن كان بين الماضي والمستقبل والحاضر معايير كلّية هي كالروح السائدة في أجزاء البدن، أمّا الوصول إلى ذلك فهو مشكلة المشاكل، ولا يمكن إلاّ بقدر معين من العلم وقدر معين ممّا ورثه الإنسان عن الأنبياء عن الله سبحانه وتعالى. فإنّ الإنسانية ليست شكلاً واحداً ولا طابعاً مستقلاً ولا نمطاً متفرداً ماضيه ومستقبله وحاضره، إلاّ في صور خاصّة وموازين قطعية.
ولذا ينبغي التعبير عن كلّ عصر بتعبيرات خاصّة به، لأنّ لكلّ عصر ولكلّ أمّة طابعاً فريداً غير قابل للتكرار، بل قال بعضهم: إنّ كلّ فرد من الإنسان كلّي منحصر بفرده في الخصوصيات والمزايا والشرائط والأفكار وما أشبه ذلك، وقد أشار إلى ذلك القرآن الحكيم ـ فإنّه قابل للتطبيق على الأمم وعلى الأفراد وعلى الجماعات ـ قال الله سبحانه وتعالى: ((أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا))(92)، فإذا أردنا أن نمثل ذلك بأوانٍ، فهناك إناء يستوعب مثقالاً من الماء وهناك إناء فوق ذلك وفوق ذلك إلى أن يصل إلى بحار الدنيا، حتّى يصل إلى ما يكون بحار الدنيا جزءاً صغيراً منها كما قال سبحانه وتعالى: ((وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ))(93)، فأفضل ما خلق الله الماء في إطار الماديات ثمّ جعل من الماء السماء كما قال سبحانه وتعالى: ((وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَات))(94)، ولا نعلم إلى اليوم أنّ المراد بسبع سماوات هل العدد أو المبالغة كما قال: بكلٍّ بعضٌ.
وعلى كلّ حال: فليست الحضارة المصرية القديمة كالحضارة العراقية، أو الآشورية أو ما أشبه ذلك، كما أنّهما لا يشابهان حضارة الصين، أو حضارة اليونان، أو حضارة الرومان، وهكذا لا تشابه بين حضارة اليهود الموسوية، وحضارة المسيحيين العيسوية، وحضارة المسلمين المحمّدية صلوات الله على أنبياء هذه الحضارات، وإن كان يشبـه بعضهـا بعضـاً في الجامع الذي أقرّه الله سبحانه وتعالى، حيث قال: ((قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ))(95)، فإنّ (الأنبياء أخوة من أمّهات شتى) (96)؛ كما ورد فـي الحديث، وإنّما الفروق تكون زمانية ومكانية وحسب خصوصيات الأمم. ولذا قال عيسى المسيح (ع) لليهود: ((وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ))(97)، وقال سبحانه وتعالى: ((وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ))(98)، ثمّ غير تلك الجهة العامّة بالنسبة إلى الحضارات المختلفة، فقد تشكّلت كلّ منها بطريقة متمايزة منفردة؛ ومن ثمّ وجب على المؤرّخ أن يلاحظ العصر الذي يدرسه والدين الذي يدرسه وما أشبه ذلك.
وعليه، فاللازم على من يريد معرفة فلسفة التاريخ ألاّ يتجاوز ظروف الزمان والمكان والشرائط والخصوصيات والأمم، حتّى يصدر أحكاماً مطلقة، فهذا غير صحيح، إلاّ في الكلّي العامّ الدقيق الجاري في الكلّ، مثال ذلك مثال الفواكه المختلفة التي فيها جامعٌ عامٌ من العناصر الأربعة، بينما لكلّ واحد منها لون وشكل وطعم وخصوصية ومزيّة وخاصيّة وغيرها.
وقد قرأت في بعض الكتب أنّه يعيش على الكرة الأرضية 30 مليوناً من الأحياء سواء كانت أحياء نباتية أو أحياء حيوانية أو أحياء إنسانية، وهذه الثلاثون مليوناً على فرض صحة هذا الرقم فيها جامعٌ واحدٌ من الحياة النباتية أو الحيوانية أو الإنسانية، بينما لكلّ واحد منها خصوصية ومزيّة، كما نشاهد ذلك بالنسبة إلى النباتات المختلفة، فأحدها لا يشبه الآخر إطلاقاً، وإن كان في الجميع جامع واحد يعبّر عنه بالنبات، أو بالنسبة للحيوان يعبّر عنه بالحيوان.
مهمة المؤرخ
يسلموو على المجهود
ودي
منورٍ ئـآتبي بسآمَ
وَدي (~
سلمت .. ودام ابداعك
نورتيَ أختَ ميسوٍ
يسلموو الاياادي سكران
مرورٍكَ عَطر إميرةةَ
وَدي
حلقـةَ بحثً عـنَ مهمّة المؤرّخ
يسلموو سكران
يسآـموَ معتَزَ مروركَ رآقيَ حبي
َحيآكَ
(~..