مقدمة: ومما يتعلق بالوليمة الغناء "بكسر الغين والمد" والسماع. فهل تسقط إجابة الدعوى إلى الوليمة إذا كانت مشتملة على غناء ولعب مما جرت به عادة الناس؟ والجواب أن الإجابة لا تسقط إلا إذا كان الغناء أو اللعب غير مباح شرعاً، أما اللعب الخفيف والغناء المباح فإنهما لا يسقطان الإجابة.
وذلك لأن أغراض الشريعة السمحة ومقاصدها في تشريعها تنحصر في تهذيب الأخلاق وتطهير النفوس من أدران الشهوات الفاسدة وأوزارها، فأي عمل من الأعمال يترتب عليه اقتراف منكر فهو حرام مهما كان في ذاته حسناً، فالتغني من حيث كونه ترديد الصوت بالألحان مباح لا شيء فيه، ولكن قد يعرض له ما يجعله حراماً أو مكروهاً ومثله اللعب، فيمتنع الغناء إذا ترتب عليه فتنة بامرأة لا تحل أو بغلام أمرد، كما يمتنع إذا ترتب عليه تهيج لشرب الخمر أو تضييع للوقت وانصراف عن أداء الواجبات، أما إذا لم يترتب عليه شيء من ذلك فإنه يكون مباحاً.
فلا يحل التغني بالألفاظ التي تشتمل على وصف امرأة معينة باقية على قيد الحياة، لأن ذلك يهيج الشهوة إليها ويبعث على الافتنان بها، فإن كانت قد ماتت فإن وصفها لا يضر لليأس من لقائها ومثلها في ذلك الغلام الأمرد. ولا يحل التغني بالألفاظ الدالة على وصف الخمرة المرغبة فيها لأن ذلك يهيج إلى شرابها وحضور مجالسها، وذلك جريمة في نظر الشريعة. ولا يحل التغني بالألفاظ الدالة على هجاء الناس مسلمين كانوا أو ذميين، لأن ذلك محرم في نظر الدين فلا يحل التغني به ولا سماعه.
أما التغني بالألفاظ المشتملة على الحكم والمواعظ، والمشتملة على وصف الأزهار والرياحين والخضر والألوان والماء ونحو ذلك، أو المشتملة على وصف جمال إنسان غير معين إذا لم يترتب عليه فتنة محرمة فإنه مباح لا ضرر فيه.
وأما اللعب فإن المباح منه ما كان خالياً من التكلم بالفحش والكذب، وكشف العورة والاستهزاء بالناس، ورقص النساء بحضرة رجال لا يحلون لهن كما جرت عادة بعض السفهاء من إحضار المومسات ليرقصن في ولائمهم، فإن كان مشتملاً على شيء من ذلك كان محرماً لا يحل التفرج عليه ولا إجابة الدعوة للوليمة المشتملة عليه، هذا الذي ذكرناه لك هوما تقتضيه قواعد الدين، ويؤخذ من عبارات كثير من العلماء المفكرين الذين أولوا عبارات الأئمة بذلك التأويل، فلنذكر لك نصوصهم في أسفل الصحيفة (الشافعية – قالوا: قال الإمام الغزالي في الإحياء: النصوص تدل على إباحة الغناء والرقص والضرب بالدف واللعب بالدرق والحراب، والنظر إلى رقص الحبشة والزنوج في أوقات السرور قياساً على يوم العيد فإنه وقت سرور. وفي معناه العرس، والوليمة، والعقيقة، والختان، ويوم القدوم من السفر، وسائر أسباب الفرح، وهوكل ما يجوز به الفرح شرعاً، ويجوز الفرح بزيارة الإخوان ولقائهم واجتماعهم في موضع واحد على طعام أو كلام فهوأيضاً مظنة السماع انتهى. على أنه قسم الغناء إلى أقسام كثيرة فذكر منها ما يترتب عليه فتنة أو محظور ديني، أو كان بألفاظ مستهجنة في نظر الدين وقال: إن القسم وهو الحرام، فمراده بالرقص الحركات التي يفعلها الرجال الذين لا يتصور فيهم شهوة أمام مثلهم، أما رقص النساء أمام من لا يحل لهن فإنه حرام بالإجماع لما يترتب عليه من إثارة الشهوة والافتتنان وما فيه من التهتك والمجون، ومثلهن الغلمان المرد أمام من يشتهيهم ويفتن بهم، وقد استدل الاستاذ الغزالي على إباحة الرقص: برقص الحبشة والزنوج في المسجد النبوي يوم عيد حيث أقرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأباح لزوجه السيدة عائشة رضي اللّه عنه أن تتفرج عليهم وهي مستترة به صلى اللّه عليه وسلم، وهوكما تعلم لا يثير أي شهوة، فالنوع المباح من الرقص هو الذي لا يثير شهوة فاسدة.
ونقل في الإحياء أيضاً أن الشافعي قال: لا أعلم أحداً من علماء الحجاز كره السماع إلا ما كان منه في الأوصاف، فأما الحداء وذكر الأطلال والمرابع وتحسين الصوت بألحان الأشعار فمباح. وقال إن الذي نقل عن الإمام الشافعي: من أن الغناء لهومكروه يشبه الباطل لا ينافي إباحته، لأنه إنما يريد القسم الممنوع منه، على أن مراده باللهو العبث، والعبث ليس بحرام إلا إذا ترتب عليه محظور شرعي، وكذلك ما يشبه الباطل، وقد أطال في الاستدلال على إباحة الغناء فارجع إليه إن شئت.
الحنفية – قالوا: التغني المحرم ما كان مشتملاً على ألفاظ لا تحل كوصف الغلمان، والمرأة المعينة التي على قيد الحياة، ووصف الخمر المهيج لها، ووصف الحانات، وهجاء المسلم أو الذمي إذا كان غرض المتكلم الهجاء، أما إذا كان غرضه الاستشهاد أو معرفة ما فيه من الفصاحة والبلاغة فإنه ليس بحرام، وكذا إذا اشتمل على وصف الزهريات المتضمنة وصف الرياحين والأزهار، أواشتمل على وصف المياه والجبال والسحاب ونحو ذلك فإنه لا وجه لمنعه، انتهى من شهادات فتح القدير.
فما نقل عن أبي حنيفة من أنه كان يكره الغناء ويجعل سماعه من الذنوب، فهومحمول على النوع المحرم منه، ويكره تحريماً عند الحنفية اللعب بالنرد والشطرنج وضرب الأوتار من الطنبور والرباب والقانون والمزمار والبوق ونحو ذلك كما يأتي في المسابقة.
المالكية – قالوا: إن آلات اللهو المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه خاصة كالدف "الطبل" والغربال "الطار" إذا لم تكن فيه صلاصل، والزمارة والبوق إذا لم يترتب عليهما لهوكثير؛ ويباح ذلك للرجال والنساء. وقال بعضهم: إنه يباح خاصة، وبعضهم يقول: إنه يجوز ذلك في العرص وعند العقد وفي كل سرور حادث فلايختص بوليمة النكاح. أما الغناء فإن الذي يجوز منه هو الرجز الذي يشبه ما جاء في غناء جواري الأنصار:
أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم
ولولا الحبة السمرا لم نحلل بواديكم
الحنابلة – قالوا: لا يحل شيء من العود والزمر والطبل والرباب ونحو ذلك كما لا يحل النرد والشطرنج ونحوهما، إذا اشتملت الوليمة على شيء منه فإنه لا يحل الإجابة إليها، أما الغناء فإن تحسين الصوت والترنم في ذاته مباح، بل قالوا: إنه مستحب عند تلاوة القرآن إذا لم يفض إلى تغيير حرف منه أو إلى زيادة لفظه، وإلا حرم. فالترنم وتحسين الصوت بعبارات الوعظ والحكم ونحوها كذلك. وقالوا: إن قراءة القرآن باللحان مكروهة، وإن السماع مكروه).
راجع الفقه على المذاهب الاربعة للجزيري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله بيك
مشكورررررررررر
بارك الله فيك ونفع بك
اثابك الله/قيصر الشعر
يسلمو على الطرح..
تحياتي.
شكر علي مرورك الفوق الرائع