الاثار المملوكية في طرابلس

قرض البنك الدولي وتوابعه جاءوا في الوقت المناسب لينقذوا الاثار المتهالكة في لبنان.

تشكل القروض الدولية لاحياء الارث الثقافي والتي قرر لبنان مؤخرا استخدامها، الفرصة الاخيرة لانقاذ نحو 200 اثر مملوكي منتشر في الجزء القديم من طرابلس، كبرى مدن شمال لبنان، بات مهددا بالزوال كما يؤكد الخبراء.

ويقول عمر تدمري، استاذ التاريخ الاسلامي والحضارة في الجامعة اللبنانية "في المدينة القديمة التي لا تتعدى مساحتها ستة كيلومترات مربعة نحو 200 معلم تاريخي واثري من العهد المملوكي (القرن 13 و14) ذات قيمة تراثية جمالية وجميعها مهددة بالزوال".

واعتبر تدمري كاتب عدة مؤلفات عن تاريخ طرابلس واثارها "ان قرض البنك الدولي وتوابعه جاءوا في الوقت المناسب لينقذوا الاثار المتهالكة" ومنها ابراج ومساجد ومدارس وحمامات وخانات وسبل مياه وسواها.

وتبلغ قيمة القروض 60 مليون دولار منها 31.5 مليون دولار من البنك الدولي و12 مليون دولار من الحكومة الفرنسية و10 ملايين دولار من الحكومة الايطالية اضافة الى 6.5 ملايين دولار تقدمها الحكومة اللبنانية.

وكان البرلمان اللبناني قد اجاز الاسبوع الماضي للحكومة ابرام اتفاقية مشروع الارث الثقافي والتنمية المدينية مع البنك الدولي التي اقرت العام الماضي وكاد لبنان ان يفقدها لو لم يبتها قبل اخر كانون الثاني/يناير.

يهدف المشروع لاعادة تأهيل وتطوير المراكز التاريخية في مدن لبنان الخمس طرابلس وصيدا وصور وجبيل وبعلبك وتبلغ حصة طرابلس منه 19.5 مليون دولار وفق مصادر رسمية.

واعتبر عضو لجنة الاونيسكو للتراث جاد ثابت ان هذه القروض تشكل "الفرصة الاخيرة" لانقاذ ما يمكن انقاذه من اثار طرابلس.

واوضح ثابت، الاخصائي في الهندسة المدينية ومستشار الدراسة عن وضع طرابلس القديمة ان للمشروع ثلاثة محاور اساسية.

وقال لفرانس برس "ترميم بعض المعالم الاثرية مع ترميم المجال العام ، معالجة واجهة المدينة القديمة المطلة على نهر ابو علي من التشوهات، معالجة بعض القضايا السكنية عبر بناء مساكن لعائلات تقطن ابنية اثرية".

ولفت ثابت الى عمليات ترميم ستقوم بها جهات اخرى في نفس الوقت من اهمها استكمال ترميم خان الخياطين وترميم سوق حراج (المانيا)، وترميم خان الصابون (وزارة السياحة).

واضاف "سنعمل اولا على ترميم خان العسكر لانه في وضع متهالك".

يشار الى ان خان العسكر (اثر صليبي فمملوكي فعثماني) هو اكبر خان في لبنان (كان يستخدم كاسواق تجارية وفنادق) مساحته نحو 1500 متر مربع احتلته عائلات منذ عام 1956 اثر هزة ارضية وتقطنه حاليا 57 عائلة.

يشار الى ان طرابلس تزخر باثار رومانية وبيزنطية وصليبية وعربية وعثمانية لكن غالبية الاثار تعود للفترة المملوكية.

اذ حرر المماليك عام 1289 طرابلس من يد الصليبيين واسسوا ما يعرف حاليا بـ "المدينة القديمة" التي اتخذت طابعا مملوكيا بكل اسواقها ومبانيها ولا تزال تحتفظ بمعظمها حتى الان.

من ابرز الاثار المملوكية مساجد المنصوري وطينال والبرطاسي وسيدي عبد الواحد المكناس ومن ابرز المدارس الدينية المدرسة القرطاوية.

ويقول تدمري "المدينة القديمة اهم مدينة في لبنان من حيث حفاظها على نسيجها العمراني الذي يعود الى اكثر من 700 عام الى عهد المماليك".

ويضيف "هي المدينة الوحيدة في لبنان التي ما تزال تحتفظ باسواقها القديمة وازقتها الملتوية والمسقوفة التي يتعايش سكانها مع الاثار المخزونة في مناطقها الداخلية".

يذكر بان المناطق الموازية في بيروت وصيدا دمرت خلال الحرب اللبنانية (1975-1990) باستثناء قسم صغير ما زال قائما في صيدا.

بالتوازي مع اقتراب بدء ورشة ترميم الاثار المملوكية سعت فعاليات المدينة الى ترميم وتاهيل الوسط التجاري لطرابلس الذي يشكل "مدخلا للمدينة القديمة".

فقد اعلن في طرابلس هذا الاسبوع عن تاسيس هيئة تاهيل وترميم الوسط التجاري لمدينة طرابلس وتضم اخصائيين وملاكين ومستثمرين في الوسط التجاري ومهتمين بالشان العام.

ولفت المنسق العام للهيئة توفيق سلطان الى اهمية المشروع خاصة وان معظم مباني هذه المنطقة "مصنفة" وتعود الى عام 1885 واهمها جامع التل العالي.

وقال "لا يمكن لاصحابها هدمها وليس لديهم القدرة على تأهيلها لاستثمارها".

وشدد سلطان على "تردي الاحوال المعيشية والتأخر الاقتصادي والركود المسيطر على طرابلس" معتبرا بان "ترميم الاثار هو احد ابرز دوافع تمدد السياحة الى طرابلس".

وقال لفرانس برس "لكن تاهيل الاثار لاجتذاب السواح يتطلب احياء الوسط التجاري (ساحة التل) الذي يشكل مدخلا للمدينة القديمة".

يذكر بان لبنان حقق عام 2024 رقما قياسيا في عدد السياح الذي ارتفع الى مليون سائح وذلك للمرة الاولى منذ 30 عاما وفق ارقام رسمية.