ثبت في صحيح الإمام البخاري أنه صلى الله عليه وسلَّم قال: «من اتبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا وكان معها حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد»، فهنيئاً لمن ناله هذا الأجر، وكتب الله تعالى له ذلك في عليين… آمين.
لكنَّ رفع الصوت بالجنازة وما يتبعه من تهليل وتكبير، أو قراءة للقرآن، أو هتافات وشعارات أياً كانت، أثناء تشييع الجنازة كُلُّه أمر غير مشروع بل هي بدعة مُحدثة لم تكن على عهد السلف الصالح.
روى البيهقي وأبو نعيم عن التابعي الجليل قيس بن عباد قال: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند الجنائز).
وروى البيهقي أن ابن عمر سمع قائلاً يقول: (استغفروا له غفر الله لكم)، فقال:( لا غفر الله لك ).
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (لَا يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ مَعَ الْجِنَازَةِ لَا بِقِرَاءَةِ وَلَا ذِكْرٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ هَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا، وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالْآثَارِ أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْمُفَضَّلَةِ)
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (أَهْلُ الْكِتَابِ عَادَتُهُمْ رَفْعُ الْأَصْوَاتِ مَعَ الْجَنَائِز).
فهذا فيه تشبه بالنصارى فإنهم يرفعون أصواتهم بشئ من أناجيلهم وأذكارهم مع التمطيط والتلحين والتحزين ونحن أمرنا بمخالفتهم.
وقال النووي -رحمه الله- في المجموع: (واعلم أن الصواب ما كان عليه السلف من السكوت حال السير مع الجنازة، فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر ولا غيرهما لأنه أسكن لخاطره، وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة، وهو المطلوب في هذا الحال، فهذا هو الحق ولا تغتر بكثرة ما يخالفه، وأما ما يفعله الجهلة من القراءة على الجنازة بالتمطيط وإخراج الكلام عن موضعه فحرام بالإجماع).
والسنة خفض الصوت في هذه الحالة ومُحاسبة الإنسان نفسه، وتذكره مصير هذا الميت ومصيره هو أيضاً؛ لأن الموت له شأن عظيم، وذكره يحرك القلب إلى الاستعداد للقاء الله والقيام بحقه والحذر من معاصيه سبحانه وتعالى.