حقيقة القراءات القرآنية

حقيقة القراءات القرآنية

خليجية
حقيقة القراءات القرآنية


روى البخاري ومسلم عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة "الفرقان" في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم..
روى البخاري ومسلم عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة "الفرقان" في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يُقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أُساوره -أي أثب عليه- في الصلاة، فصبرت حتى سلم، فَلَبَّبْتُه بردائه -أي أمسك بردائه من موضع عنقه- فقلت: من أقرأك هذه السورة؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: كذبت، فانطلقتُ به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرأ فيها، فقال: أرسله -أي اتركه- اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال: كذلك أنزلت، ثم قال: اقرأ يا عمر، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال: كذلك أنزلت (إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه).

وقد أجمع أهل العلم على أن القرآن الكريم نُقل إلينا عن النبي صلى الله عليه وسلم بروايات متعددة متواترة، ووضع العلماء لذلك علماً أسموه علم "القراءات القرآنية" بينوا فيه المقصود من هذا العلم، وأقسام تلك القراءات وأنواعها، وأهم القراء الذين رووا تلك القراءات، إضافة لأهم المؤلفات التي دوَّنت في هذا المجال.

والقراءات لغة، جمع قراءة، وهي في الأصل مصدر الفعل "قرأ"، أما المقصود من علم القراءات في اصطلاح العلماء، فهو العلم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها، منسوبة لناقلها.

وقد قسَّم أهل العلم القراءات القرآنية إلى قسمين رئيسين هما: القراءة الصحيحة، والقراءة الشاذة.

أما القراءة الصحيحة فهي القراءة التي توافرت فيها ثلاثة أركان هي:

– أن توافق وجهاً صحيحاً من وجوه اللغة العربية.

– أن توافق القراءة رسم مصحف عثمان رضي الله عنه.

– أن تُنقل إلينا نقلاً متواتراً، أو بسند صحيح مشهور.

فكل قراءة استوفت تلك الأركان الثلاثة، كانت قراءة قرآنية، تصح القراءة بها في الصلاة، ويُتعبَّد بتلاوتها. وهذا هو قول عامة أهل العلم.

أما القراءة الشاذة فهي كل قراءة خالفت الرسم العثماني على المعتمد من الأقوال؛ وعلى قول: إنها القراءة التي اختل فيها ركن من الأركان الثلاثة المتقدمة. ويدخل تحت باب القراءات الشاذة ما يسمى بـ "القراءات التفسيرية" وهي القراءة التي صح سندها، ووافقت العربية، إلا أنها خالفت الرسم العثماني، كقراءة سعد بن أبي وقاص قوله تعالى: {وله أخت} (النساء: 176) فقد قرأها (وله أخت من أم) وقراءة ابن عباس قوله تعالى: {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا * وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} (الكهف:79-80) حيث قرأها: (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة غضباً * وأما الغلام فكان كافراً).

قال العلماء: المقصد من القراءة الشاذة تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها؛ كقراءة عائشة وحفصة رضي الله عنهما، قوله تعالى: {حافظوا على الصلاة الوسطى} (البقرة:238) قرأتا الآية: (والصلاة الوسطى صلاة العصر)، وقراءة ابن مسعود قوله تعالى: {فاقطعوا أيديهما} ( المائدة:38) قرأها: (فاقطعوا أيمانهما) وقراءة جابر قوله تعالى: {فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم} ( النور:23) قرأها: (من بعد إكراههن لهن غفور رحيم). فهذه الحروف -القراءات- وما شابهها صارت مفسِّرة للقرآن.

وقد اتفقت كلمة أهل العلم على أن ما وراء القراءات العشر التي جمعها القراء، شاذ غير متواتر، لا يجوز اعتقاد قرآنيته، ولا تصح الصلاة به، والتعبد بتلاوته، إلا أنهم قالوا: يجوز تعلمها وتعليمها وتدوينها، وبيان وجهها من جهة اللغة والإعراب.

والقراءات التي وصلت إلينا بطريق متواتر عشر قراءات، نقلها إلينا مجموعة من القراء، امتازوا بدقة الرواية، وسلامة الضبط، وجودة الإتقان، وهاك أسماء أصحاب تلك القراءات، وأشهر رواتهم:

– قراءة نافع المدني، وأشهر من روى عنه، قالون وورش.

– قراءة ابن كثير المكي، وأشهر من روى عنه البزي وقنبل.

– قراءة أبي عمرو البصري، وأشهر من روى عنه الدوري والسوسي.

– قراءة ابن عامر الشامي، وأشهر من روى عنه هشام وابن ذكوان.

– قراءة عاصم الكوفي، وأشهر من روى عنه شعبة وحفص.

– قراءة حمزة الكوفي، وأشهر من روى عنه خلف وخلاد.

– قراءة الكسائي الكوفي، وأشهر من روى عنه أبو الحارث وحفص الدوري.

– قراءة أبي جعفر المدني، وأشهر من روى عنه عيسى بن وردان وابن جماز.

– قراءة يعقوب المصري، وأشهر من روى عنه رويس وروح.

– قراءة خلف بن هشام البزار البغدادي، وأشهر من روى عنه إسحاق بن إبراهيم وإدريس بن عبد الكريم.

ثم إن كل ما نُسب لإمام من هؤلاء الأئمة العشرة، يسمى (رواية) فنقول مثلاً: قراءة عاصم برواية حفص وقراءة نافع برواية ورش، وهكذا.

هذا، وإن ابن عاشور ذكر في تفسيره "التحرير والتنوير" أن القراءات التي يقرأ بها اليوم في بلاد الإسلام هي: قراءة نافع برواية ورش في بعض القطر التونسي، وبعض القطر المصري، وفي جميع القطر الجزائر، وجميع المغرب الأقصى، وما يتبعه من البلاد والسودان. وقراءة عاصم برواية حفص عنه في جميع المشرق، وغالب البلاد المصرية، والهند، وباكستان، وتركيا، والأفغان، قال -والكلام لابن عاشور- وبلغني أن قراءة أبي عمرو البصري يقرأ بها في السودان المجاور لمصر.

وقد ألف العلماء في علم القراءات تآليف عدة، وكان أبو عبيد القاسم بن سلام من أوائل من قام بالتأليف في هذا العلم، حيث ألف كتاب القراءات جمع فيه خمسة وعشرين قارئًا، واقتصر ابن مجاهد على جمع القراء السبع فقط. وكتب مكي بن أبي طالب كتاب "التذكرة" ومن الكتب المهمة في هذا العلم كتاب "حرز الأماني ووجه التهاني" للقاسم بن فَيُّرة، وهو عبارة عن نظم شعري لكل ما يتعلق بالقراء والقراءات، ويعرف هذا النظم بـ"الشاطبية"، وقد وصفها الإمام الذهبي بقوله: "قد سارت الركبان بقصيدته، وحفظها خلق كثير، فلقد أبدع وأوجز وسهل الصعب".

ومن الكتب المعتمدة في علم القراءات كتاب "النشر في القراءات العشر" للإمام ابن الجزري وهو من أجمع ما كُتب في هذا الموضوع، وقد وضعت عليه شروح كثيرة، وله نظم شعري بعنوان "طيبة النشر".

ونختم هذا المقال بالقول: إن نسبة القراءات السبع إلى القراء السبعة إنما هي نسبة اختيار وشهرة، لا رأي وشهوة، بل اتباع للنقل والأثر، وإن القراءات مبنيَّة على التلقي والرواية، لا على الرأي والاجتهاد، وإن جميع القراءات التي وصلت إلينا بطريق صحيح، متواتر أو مشهور، منزَّلة من عند الله تعالى، وموحي بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك وجدنا أهل العلم يحذرون من أخذ القرآن من غير طريق التلقي والسماع والمشافهة.

> منتدى نهر الاسلامي

يسلموو الايادي لصمتي

خليجية
حقيقة القراءات القرآنية

أسباب اختلاف القراء في القراءات القرآنية

أسباب اختلاف القراء في القراءات القرآنية

خليجية
أسباب اختلاف القراء في القراءات القرآنية


تعدد القراءات القرآنية أمر واقع أجمعت عليه الأمة سلفاً وخلفًا، وليس ثمة دليل لمن ينكر ذلك أو يستنكره؛ وإذ كان هذا واقعاً لا يمكن نكرانه أو تجاهله فإن السؤال الوارد هنا: ما السبب الذي أوجب أن يختلف القراء في قراءة القرآن على قراءات عدة ومتعددة، وصل المتواتر منها إلى أكثر من سبع قراءات.

ومن المفيد والمهم هنا التذكير بداية، أن الاختلاف في القراءات القرآنية إنما كان فيما يحتمله خط المصحف ورسمه، سواء أكان الاختلاف في اللفظ دون المعنى، كقراءة قوله تعالى: {جَُِذوة} بضم الجيم وكسرها وفتحها، أم كان الاختلاف في اللفظ والمعنى، كقراءة قوله تعالى: {ننشرها} و{ننشزها} وقوله تعالى: {يسيركم} و{ينشركم} وعلى هذا ينبغي أن يُحمل الاختلاف في القراءات القرآنية ليس إلاَّ.

بعد هذا التوضيح الذي نرى أنه مهم، نقول: إن الصحابة رضي الله عنهم كان قد تعارف بينهم منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم ترك الإنكار على من خالفت قراءته قراءة الآخر، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقرهم على ذلك، ولو كان في الأمر شيء لبيَّن لهم ذلك، أَمَا وإنه لم يفعل فقد دلَّ ذلك على أن الاختلاف في القراءة أمر جائز ومشروع، وله ما يسوغه.

وقد صح في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن القرآن نزل على سبعة أحرف كلها شافٍٍ كافٍ) رواه النسائي ، وفي "الصحيحين" عنه صلى الله عليه وسلم أيضًا، قوله: (أُنزل القرآن على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر) رواه البخاري ومسلم.

وقد ذكرنا في مقال سابق لنا، أن القول المعتمد عند أهل العلم في معنى هذا الحديث، أن القرآن نزل على سبع لغات من لغات العرب، وذلك توسيعًا عليهم، ورحمة بهم، فكانوا يقرؤون مما تعلموا، دون أن يُنكر أحد على أحد؛ بل عندما حدث إنكار لهذا، كما كان من أمر عمر رضي الله عنه مع هشام بن حكيم بيَّن له صلى الله عليه وسلم أن ليس في ذلك ما يُستنكر، وأقر كل واحدٍ منهما على قراءته، والحديث في "صحيح البخاري".

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده رضي الله عنهم وجَّهوا الصحابة إلى البلدان ليعلِّموا الناس القرآن وأحكام دينهم، فعلَّم كل واحدٍ منهم أهل البلاد التي أُرسل إليها ما كان يقرأ به على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فاختلفت قراءة أهل تلك البلاد باختلاف قراءات الصحابة رضي الله عنهم.

والذي دلت عليه الآثار أنَّ جَمْعَ عثمان رضي الله عنه للقرآن إنما كان نسخًا له على حرف واحد، هو حرف قريش (لغة قريش)، ووافقه على ذلك الصحابة رضي الله عنهم، فكان إجماعًا. وإنما لم يحتج الصحابة في أيام أبي بكر وعمر رضي الله عنهما إلى جمع القرآن على الوجه الذي جمعه عليه عثمان؛ لأنه لم يحدث في أيامهما ما حدث في أيامه، وإنما فعل عثمان ما فعل حسمًا للاختلاف بين المسلمين، وتوحيدًا لهم على كتاب الله.

والأمر الذي ينبغي الانتباه إليه في فعل عثمان رضي الله عنه أن هذا الحرف الذي جُمِع عليه القرآن -وهو حرف من الأحرف السبعة التي نص عليها الحديث- إنما كان على لغة قريش -كما ذكرنا- وأن هذا النسخ العثماني للقرآن لم يكن منقوطًا بالنقاط، ولا مضبوطاً بالشكل، فاحتمل الأمر قراءة ذلك الحرف على أكثر من وجه، وَفْق ما يحتمله اللفظ، كقراءة قوله تعالى: {فتبينوا} و{فتثبتوا} ونحو ذلك، ثم جاء القراء بعدُ -وكانوا قد تلقوا القرآن ممن سبقهم- فقرؤوا ما يحتمله اللفظ من قراءات، واختار كل واحد منهم قراءة حسب ما تلقاه ووصل إليه؛ وهكذا اختار بعضهم القراءة بالإمالة، واختار بعضهم إثبات الياءات، ورأى البعض الآخر حذفها، واختار البعض القراءة بتحقيق الهمزة، واختار الآخر القراءة بتسهيلها، وهذا يدل على أن كلاً اختار قراءته -ضمن ما يحتمله خط المصحف العثماني- وَفق ما وصله، دون أن ينكر أحد القراء على أحد، لأن تلك القراءات كلها ثبتت بطرق متواترة، ودون أن يعني ذلك أن عدم قراءة أحد من القراء على وفق قراءة غيره، أن قراءة الأخير غير صحيحة، بل جميع تلك القراءات التي قرأ بها القراء السبعة قراءات توقيفية، ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمع المسلمون على صحتها والقراءة بها. والمسألة في هذا أشبه ما يكون في نقل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري ومسلم في "صحيحهما" ما صح عندهما من حديث رسول الله، وقد انفرد كل منهما برواية بعض الأحاديث التي لم يروها الآخر، وأيضًا فقد صح من الأحاديث ما لم يروه البخاري ومسلم، وعلى هذا المحمل ينبغي أن يُفهم وجه اختلاف القراء في القراءات.

يتبين مما تقدم، أن الاختلاف والتعدد في القراءات القرآنية أمر ثابت وواقع، فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، وأقر عليه الصحابة رضي الله عنهم، وعمل بهذا الاختلاف الصحابة من بعده صلى الله عليه وسلم من غير نكير من أحد منهم، وقد جاء هذا الاختلاف في القراءات على وفق تعدد لسان العرب ولغاتهم، توسعة وتيسيرًا عليهم، إضافة لمقاصد أُخر تعلم في موضعها. وقد أصبحت هذه القراءات منتشرة في أقطار المسلمين كافة، كل حسب القراءة التي تلقاها وتواترت لديه، يتناقلها جيل عن جيل، وستبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

> منتدى نهر الاسلامي

يسلموو الايادي لصمتي

خليجية
أسباب اختلاف القراء في القراءات القرآنية

جَزَآْك رَبِّيْ خَيْرَ الْجَزَآْءْ ~
وَ جَعَلَهُ فِيْ مَوَآْزِيْنِ حَسَنَآْتِك ~
وَ بَآْرَك فِيْك وَ أَثَآْبَك الْجَنَّةْ بِ غَيْرِ حِسَآْبْ ~

يسلمو الايادي والمواضيع الحلوة

القرآن والقراءات القرآنية

خليجية

القرآن والقراءات القرآنية

{الدكتور / فوزي فياض}


الله عز وجل هو القائل : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن )(1) ، وهو القائل سبحانه : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر )(2) .

لقد أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة، ثم نزل بعد ذلك منجماً في عشرين سنة أو ثلاث وعشرين سنة أو خمس وعشرين سنة على حسب الخلاف في مدة إقامة النبي صلي الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة، فقد أخرج الحاكم والبيهقي وغيرهما من طريق منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ( أنزل القرآن ليلة القدر جملة واحدة إلى السماء الدنيا وكان بمواقع النجوم وكان الله ينزله على رسوله صلي الله عليه وسلم بعضه في إثر بعض )(3) .

وتمثلت المرحلة الأولى من نزول القرآن في تعليم جبريل القرآن للنبي صلي الله عليه وسلم، وذلك في بدء نزوله وفي أول آية من القرآن حيث بينت بوضوح عن إقراء وتعليم جبريل القرآن للنبي صلي الله عليه وسلم في قوله تعالى: ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) (4)، ومن الواضح أنها كانت قراءة تعليم بغية أن يجمعه الله عز وجل لنبيه صلي الله عليه وسلم في صدره .

ثم كان بعد ذلك يقرئ أصحابه القرآن ويعلمهم إياه كلما نزل عليه شيء من القرآن امتثالاً لقوله تعالى: ( و قرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ) (5)، وتعليم النبي صلي الله عليه وسلم وإقراؤه المسلمين من الثبوت بمكان لا يفتقر معه إلى كثير استدلال، فعن عثمان بن عفان وابن مسعود وأبيّ بن كعب: ( أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يقرئهم العشر، فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل فيعلمهم القرآن والعمل جميعاً ) (6) .

ثم كان بعد ذلك تعليم بعض المسلمين بعضاً آي القرآن، وإقراؤهم كذلك، وهذا كان يقع بأمر النبي صلي الله عليه وسلم وإرشاده، وبقيامه به بنفسه أيضاً، فقد روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يقول : ( استقرئوا القرآن من أربعة عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأُبيّ بن كعب ) (7) . وهكذا تعاهد المسلمون الأولون القرآن بالحفظ والقراءة، فكان الرسول صلي الله عليه وسلم بعد تلقينه القرآن من جبريل عليه السلام يعلمهم ما نُزل عليه، وكانوا بعد ذلك يُقرئ بعضهم بعضاً، ويستمعون إلى القراءة من بعضهم أيضاً . ولقد جاء في خبر نزول مصعب بن عمير المدينة أنه نزل دار القراء(8) . ولعل في الإشارة إليها بهذا الاسم دليلاً على تميز القراء في مجتمع المسلمين آنذاك فهذا كان حال الرعيل الأول من الصحابة مع القرآن، ولقد وقعت بعض الخلافات على أحرف من القرآن الكريم أثناء سماع بعضهم لقراءة بعض، فمن ذلك ما رواه أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (دخلت المسجد أصلي فدخل رجل فافتتح النحل فقرأ فخالفني في القراءة، فلما انفتل قلت : من أقرأك ؟ قال : رسول الله صلي الله عليه وسلم ، ثم جاء رجل فقام يصلي فقرأ وافتتح النحل فقرأ فخالفني وخالف صاحبي، فلما انفتل قلت : من أقرأك ؟ قال : رسول الله صلي الله عليه وسلم ، قال فدخل في قلبي من الشك والتكذيب أشد مما كان في الجاهلية، فأخذت بأيديهما فانطلقت بها إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقلت : استقرئ هذين، فاستقرأ أحدهما، قال : أحسنت، فدخل في قلبي من الشك والتكذيب أشد مما كان في الجاهلية، ثم استقرأ الأخر فقال : أحسنت، فدخل في قلبي من الشك والتكذيب أشد مما كان في الجاهلية، فضرب رسول الله صلي الله عليه وسلم صدري بيده فقال : أعيذك بالله يا أُبيّ من الشك ثم قال : إن جبريل عليه السلام أتاني فقال : إن ربك يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت : اللهم خفف عن أمتي، ثم عاد فقال : إن ربك عز وجل يأمرك أن تقرأ القرآن على حرفين، فقلت : اللهم خفف عن أمتي، ثم عاد فقال : إن ربك عز وجل يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف وأعطاك بكل ردة مسألة ) (9) .

وكذلك كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ راوده الشك وقد اختصم هو ورجل خالفه في القراءة، فعرف الرسول صلي الله عليه وسلم ذلك في وجهه، فضرب صدر عمر وقال : ( أبعدْ شيطاناً، قالها ثلاثاً، ثم قال : يا عمر إن القرآن كله صواب ما لم تجعل رحمة عذاباً أو عذاباً رحمة) (10) . وهناك غير هذه الأخبار وقعت على عهده صلي الله عليه وسلم ، اجتزأنا بعضها لوضوح دلالتها على المراد من أنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف ليتيسر لكل مسلم قراءته باللغة التي مرن لسانه عليها، وهذا من رحمة الله بهذه الأمة .

ولما توفي النبي صلي الله عليه وسلم وقام بالأمر بعده أحق الناس به أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقاتل الصحابة المرتدين وأصحاب مسيلمة، وقُتل من الصحابة نحو الخمسمائة، أُشير على أبي بكر بجمع القرآن في مصحف واحد خشية ذهابه بذهاب الصحابة، فتوقف في ذلك، ثم اجتمع رأيه ورأي الصحابة على جمعه، فأمر زيد بن ثابت بتتبع القرآن وجمعه، فجمعه في صحف كانت عند أبي بكر حتى توفي، ثم عند عمر بن الخطاب حتى توفي، ثم عند حفصة رضي الله عنها(11) ، ثم كانت خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفيها تبدأ القراءات في الظهور بشكل خلافات بين المسلمين، ولعل أشهرها هنا خبر حذيفة بن اليمان رضي الله عنه الذي راعه ما رآه من اختلاف أهل الشام والعراق من هذه أثناء غزواته في أذربيجان وأرمينيه في قراءة القرآن، فحينئذٍ هرع حذيفة بن اليمان إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وقال له : أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى(12) . فاستجاب عثمان رضي الله عنه وأرسل إلى حفصة يطلب منها صحف القرآن لنسخها في المصاحف، ثم ردها إليها، فأرسلت حفصة الصحف إلى عثمان، وكلف عثمان كلاً من زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام بنسخ الصحف في المصاحف، وقال عثمان للنفر القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فنما نزل بلسانهم، ففعلوا ما أمرهم به عثمان حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق بالنار(13) . والمصاحف التي أرسلها عثمان كانت أربع نسخ، فوجه إلى كل من الكوفة والبصرة والشام بمصحف وترك واحداً عنده، وقد قيل: أنه جعلها سبع نسخ بزيادة ثلاث نسخ أرسلها إلى اليمن والبحرين ومكة، لكن الأول أصح وعليه الأئمة (14) .

وبعد توحيد المصاحف عيَّن عثمان رضي الله عنه مقرئاً خاصاً لكل مصر من الأمصار، وذلك ليقرئ الناس بمصحفه ويتلاشى التعدد في القراءات، فوجه إلى مكة عبد الله بن السائب المخزومي، وإلى الكوفة أبا عبد الرحمن السلمي وإلى البصرة عامر بن عبد القيس، وإلى الشام المغيرة بن أبي شهاب المخزومي وعيَّن زيد بن ثابت للقراءة في المدينة . وقد توخَّى عثمان رضي الله عنه في اختيار هؤلاء الموفدين أن يكون مع كل مصحف قارئ توافق قراءته أهل ذلك المصر في الأعم الأغلب(15) .

والذي تجدر الإشارة إليه هنا في هذه المرحلة من جمع عثمان المصحف هو أنه في هذه المرحلة كان بدء التفرقة بين القراءات المعتبرة والقراءات الشاذة، ومما ذهب إليه الكثير من العلماء أن الاختلافات التي وقعت بين أهل العراق والشام وغيرهم والتي كانت سبباً في توحيد المصاحف، كانت أيضاً بداية لانتشار القراءات القرآنية، ذلك أن ما كان قد فشا من قراءات توارثها الناس عن الصحابة وتابعيهم لم يكن من الممكن حله عن طريق المصاحف، فظل الاعتماد على الحفظ وليس على مجرد الخط في الرسم العثماني . وبهذا تكون القراءات القرآنية قد أخذت طريقها في الظهور والانتشار كما هو معروف في التاريخ الإسلامي فيما بعد .

——————————————————————————–

(1) سورة البقرة آية 186 .

(2) سورة القدر آية 1 .

(3) صحيح البخاري 9/4، والاتقان في علوم القرآن 1/35 .

(4) سورة العلق آية 1 .

(5) سورة الإسراء آية 106 .

(6) تفسير القرطبي 1/39 .

(7) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 9/46 .

(8) فجر الإسلام صـ142 .

(9) مسند الإمام أحمد 5/132 .

(10) النشر في القراءات العشر 1/21 .

(11) النشر في القراءات العشر 1/7 .

(12) مباحث في علوم القرآن صـ 149 .

(13) الاتقان في علوم القرآن 1/79 .

(14) البرهان في علوم القرآن 1/236 .

(15) مناهل العرفان في علوم القرآن 1/406 .

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

جزاك الله عنا خير الجزاء اخى اسلام

بارك الله فيك ونفع بك الاسلام والمسلمين

دومت بود ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©

خليجية

بلاك لاين

تشرفت بحضورك الراقى

خليجية

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيييييييييك
ونفع بك والمسلمين الخييييييييير

جزاك الله الف خير يارب..

يسلموو اسلام على الجهد تحياتي..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

آسٌِِّلآمً

خليجية


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

بوركت الانامل وجزاك الجنه

دومت بسعادة خيو اسلام

خليجية

بهجت الدنيا

تشرفت بحضورك الراقى

خليجية

خليجية

غرور

نورتى الطرح بحضورك الراقى

خليجية

خليجية

امونه

عطرتى الطرح بحضورك الراقى

خليجية

تحميل كتاب احكام القراءات 1 للصف الأول ثانوي المستوى الأول نظام فصلي

تحميل, كتاب, احكام, القراءات1, الصف, اول, ثانوي

تحميل كتاب احكام القراءات 1 للصف الأول ثانوي المستوى الأول نظام فصلي

خليجية
تحميل , كتاب أحكام القراءات 1 النظام الفصلي المستوى الأول, للصف الأول ثانوي , تربية إسلامية , كتاب كتاب أحكام القراءات1 , بصيغة pdf , نظام فصلي , المستوى الأول , 1ث

محتوى مخفي

خليجية


كتب الكترونية – مكتبة الكترونية

تحميل, كتاب, احكام, القراءات1, الصف, اول, ثانوي

تحميل كتاب احكام القراءات 1 للصف الأول ثانوي المستوى الأول نظام فصلي

خليجية

تسلم ايدك عيونى ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©