ما أعظم ما صنع الإسلام في تحويل المجتمع الجاهلي القائم على الأنانية والثأر والظلم والتسابق على الشهوات والسلب والنهب إلى مجتمع إسلامي إنساني يقوم على الأخوّة والرحمة والعدل والعفة.. كان الحاكم يفتخر بظلمه ويعتدي على الآخرين، وكان الشاب يفتخر بما يقارفه من شهوات الجسد ومتع الدنيا، فأنه يفتخر بالخمرة التي يشربها ،والمرأة الجميلة البيضاء التي يقصر فيها يوم الغيم تحت الطراف المعمد ،والخيمة الواسعة.
هذا هو همّ الشاب في الجاهلية، قد تحوّل في ظل الإسلام إلى شباب مكتهلين في شبابهم تفيض عيناه من خشية الله وتدعوه امرأة ذات منصب وجمال فيقول: "أخاف الله رب العالمين" .
روى الإمام البخاري في صحيحة بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "سبعة يُظلّهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشابٌّ نشأ في عبادة ربه، ورَجُلٌ قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدّق، أخفى حتى لا تعلم شماله ما تُنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه".
شرح الحديث :
× "يظلهم الله في ظله": الإضافة إضافة تشريف ليحصل امتياز هذا عن غيره، كما قيل: الكعبة بيت الله مع أن المساجد كلها لله.
وهنا نذكر هول يوم القيامة ودنوّ الشمس من الخلق والناس في كرب شديد حتى يصل عرق أحدهم إلى صدره وأعلاه، فيكون لهؤلاء الصالحين مكانة في ظل عرش الرحمن وهذا ما فسّره الحديث: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله..".
*الأول: "الإمام العادل": أول هؤلاء السبعة؛ الإمام الأعظم القائم بشرع الله، يضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط. وفي الحديث: "إن المقسطين (أي العادلين) عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا" (صحيح مسلم).
وهذا الحديث يرينا العدل في صورته الواسعة لتشمل الإمام الأعظم وتشمل كل صاحب ولاية ولو كانت ولايته محدودة؛ مديراً لدائرة أو مسؤولاً في مركز أمني أو مسؤولاً عن عمّال أو في شركة أو والداً في بيته وامرأة في أهلها، فكلهم أصحاب مسؤوليات ينبغي أن يرعوها بالعدل والرحمة والحكمة، وفي الحديث: "ما من أمير عشرة حتى يأتي يوم القيامة مغلولاً لا يفكه إلا عدله". (رواه الذهبي بسند حسن)، وفي الحديث: "من كانت له امرأتان، فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة و شقّه مائل". (صحيح الترغيب للألباني)، فالزوج الذي تزوج امرأة ثانية مسئول عن العدل وإن لم يعدل كان له يوم القيامة عذاب وفضيحة على رؤوس الأشهاد.
*والثاني من السبعة: "شابٌّ نشأ في عبادة ربه"؛ لأن عبادته أشق؛ لغلبة شهوته؛ وكثرة الدواعي لطاعة الهوى، فملازمته العبادة حينئذ أشد وأدل على غلبة التقوى. وفي حديث سلمان: "أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله"، وفي الحديث أيضاً: "إن الله ليعجب من الشابٍّ ليست له صبوة". (مسند أحمد).
هذه التربية الإسلامية لشباب الجامعات وشباب الأمة المعلقين بالطاعة والعبادة نقارنهم بشباب الغرب الذين يهدرون شبابهم بالاختلاط الآثم والشهوات المحرمة.
* والثالث: "رجل قلبه مُعلّق (كالقنديل) في المساجد" من شدة حبه لها وإن كان جسده خارجاً عنها. وكُنّي به عن انتظار أوقات الصلوات فلا يصلي صلاة في المسجد ويخرج منه إلا وهو ينتظر أخرى ليصليها فيه، فهو ملازم للمسجد بقلبه وإن عرض لجسده عارض.
* والرابع: "رجلان تحابّا في الله"، أي لأجل وجهه الكريم ونصرة لدعوته وحبّاً لدينه لا لغرض دنيوي، "اجتمعا عليه"، وفي رواية "اجتمعا على ذلك"، أي على الحب في الله والنصرة لدين الله والولاية لجماعة المؤمنين والعمل في جماعة ترفع راية الإسلام وتدعو لإقامة حكمه.
× "وتفرّقا عليه": أي استمرّا على محبتهما ونصرتهما للدعوة وولائهما للجماعة لأجله تعالى حتى فرّق بينهما الموت ولم يَقطعاها لعارض دنيوي.
وهنا نذكر امتحان الإخوة حين يتعرض أحدهما لما يضعف الأخوّة أو يضعف ارتباطه وولائه للجماعة فيعلم أن محبته لإخوانه في الله من أعظم القربات وأن المحافظة عليها تحتاج إلى صبر، وليحذر الإخوة أشد الحذر مما يفسد هذه الأخوّة أو يقطعها أو يضعفها، وهذا ما نبّه إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "اجتمعا عليه وتفرّقا عليه": أي استمرّا على محبتهما وولائهما لهذا الدين حتى فرَّق بينهما الموت.
* الخامس: "ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال"، أي: امرأة ذات أصل أو شرف أو مال وحُسن، وأغرته بالزنا، فقال بلسانه زجراً لها عن الفاحشة وبقلبه زجراً لنفسه: "إني أخاف الله رب العالمين".
وهنا نجد التربية الكريمة التي يربي الإسلام أبناءه عليها ليقاوموا سلطان الشهوة بامرأة ذات منصب وجمال، وإذا بهذا المسلم المؤمن يستعلي ويقول كما قال يوسف الصدِّيق عليه السلام: {مَعَاذَ الله إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف:23].
وهذه التربية الإيمانية نجد آثارها الكريمة في هؤلاء الرجال المؤمنين الذين يتعرضون لإغراء المنصب والسلطة والمرأة فيستعلون بإيمانهم وصبرهم ويقول كلٌّ منهم: إني أخاف الله، فإذا تسلّم وظيفة أو رئاسة أو مسؤولية كان خوفه من الله أعظم من كل الإغراءات والضغوط والشهوات، وهنا نذكر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ الله بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ الله مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة:94]، والآية وردت في امتحان الله لعباده في صيد الحرم، وأنه ييسر لهم الصيد قريباً من أيديهم ومن رماحهم ليتناولوه بيسر ودون عناء ليعلم الله خشية عباده له، وهذا الصيد اليوم في مفهومه الواسع يشمل ما يقع في يدك وأنت مسئول، أو ما تتعرض له من فتنة النساء في المؤسسات أو في الطريق العام أو في أي مكان فهو امتحان الله لعباده يسَّر لهم وهيّأ لهم هذا الامتحان ليعلم من يخافه بالغيب.
* والسادس: "رجل تصدق – أي تطوّعاً حال كونه قد أخفى الصدقة – حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".
وفي هذا الإخفاء للصدقة والإصرار بها يتبين إخلاص المرء وحرصه على أن يبتعد عن مظاهر النفاق أو الرياء وأن يكون عمله خالصاً لوجه الله لا يطلب مديحاً ولا ثناءً.
وفي الحديث: "أن الملائكة قالوا: يا رب، هل من خلقك شيء أشد من الجبال؟ قال: نعم، الحديد. فقالوا: فهل أشد من الحديد؟ قال: نعم، النار. فقالوا: فهل أشد من النار؟ قال: نعم، الماء. فقالوا: فهل أشد من الماء؟ قال: نعم، الريح. قالوا: فهل أشد من الريح؟ قال: نعم، ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها عن شماله". (أخرجه ابن حجر بسند حسن).
* والسابع: "رجل ذكر الله بلسانه أو بقلبه – حال كونه (خالياً) من الخلق؛ لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء، أو خالياً من الالتفات إلى غير الله تعالى وإن كان في ملأ – "ففاضت عيناه"، من الدمع لرقّة قلبه وشدة خوفه من جلال الله أو مزيد شوقه إلى جماله، وهذه الخشية التي جعلته في دموعه ومناجاته لربه وتذكّره لجلاله واستحضاره لعظمته هي الأساس الذي يجعل قلب هذا المسلم مع الله ممتثلاً لأمره، منتهياً عمّا نهى عنه، حريصاً على معرفة الصفات الكريمة التي تقرّبه إلى الله. وفي الحديث القدسي الذي رواه البخاري: "ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها.."، (والمعنى كنائي)، أن الله يكون في رعايته وفي حفظه وفي عونه، وهؤلاء الشباب وهؤلاء المؤمنون يكونون في رعاية الله تبارك وتعالى.
وهنا لا بد أن نذكر أمراً: أن الحديث ذكر الرجال؛ رجلان تحابّا في الله، رجل تعلق قلبه.. والمقصود: الرجال والنساء؛ فالله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم يقول: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]، وذكر الرجال في هذا الحديث لا مفهوم له، بل يشترك النساء معهم فيما ذكر إلا الإمامة العظمى فهي مستثناة وإلا ما تعلق بخصوصيات الرجل من ملازمة المسجد، وبقية الأعمال يشتركون بها. والأمر الآخر أن هؤلاء السبعة معهم أصناف أخرى ذكرتها أحاديث عديدة؛ ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أنظر معسراً أو وضع له (سامحه ببعض الدين) أظلّه الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله".. (ومنها تحسين الخُلق مع الناس). (رواه المنذري بسند حسن).
وتعوُّد حضور الجماعات لقوله صلى الله عليه وسلم : "من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له منزلة من الجنة كلما غدا أو راح". (صحيح البخاري) والمراد بالغدوّ: الذهاب، وبالرواح: الرجوع.
والطاعة إما أن تكون بين العبد وبين الرب، أو بينه وبين الخلق؛ فالأول: باللسان وهو الذاكر، أو بالقلب وهو المعلّق بالمسجد، أو بالبدن وهو الناشئ في العبادة، والثاني: إمام عام وهو العادل، أو خاص بالقلب وهو المحبة في الله، أو بالمال وهو الصدقة، أو بالبدن وهو العفّة. وما أجمل قول الشاعر:
وقال النبي المصطفى إن سبعة يظلهم الله الكريم بظله
محبٌّ عفيف ناشئ متصدق وباكٍ مُصَلٍّ والإمام بعدله
نسأل الله أن يكرمنا بأحسن الأخلاق ويظلنا في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
شرح حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله
يسسسسسسلمو بيبو
يسلموو احمد
بآركـ الله لكـ أسعد قلبكـ وأنآر دربكـ
يسلموو على مآقدمت من إبدآع
جعله الله في ميزآن حسنآتكـ
اللهم آآآمـــين
لكـ كل الشكر والتقدير
يسلموو ميسوو
وجعله في ميزآن أعمآلك
يسلموو اسطورة
وربّي يجْعلهَآ فِ موآزينْ حسنآتكْ
يسلموو شمووخى
جزاك ربك خير الجزاء
وجعله في ميزان حسناتك
دمت بحفظ الرحمن