كيفية استنباط السنن التاريخية
مسألة: فلسفة التاريخ هي قواعد كلّية مستنبطة من مجموعة الأحداث، بمعنى أن تكون المقدّمات متعلّقة بالتاريخ العالمي باستقراء المواد المختلفة من الأمم والشعوب، والشرق والغرب، والإمبراطوريات القديمة والحديثة، والانتصارات والانكسارات.
ومن الواضح أنّ هذه القواعد لا تحتاج إلى الاستقراء الكلّي، الذي لا يمكن تحقيقه بالنسبة إلى الإنسان في هذا العصر، فكيف بالعصور القديمة، وقد كتب جماعة من العلماء فلسفة التاريخ، ولم يشكل عليهم بأنّهم لاحظوا بعض العصور، أو بعض الأمم، وذلك لأنّ الاستقراء إذا كان معلّلاً، لم يحتج إلى تصفح جميع الجزئيات.
مثلاً: من يريد أن يقول كلّ حيوان يحرّك فكّه الأسفل عند المضغ حيث لا يستند هذا الإدعاء إلى علّة عامة مشتركة، يحتاج إلى أن يشاهد الإنسان كلّ حيوان حيوان، بينما إذا وصل الأمر إلى الاستقراء المعلّل، لم يحتج إلى الاستقراء التامّ، ولذا فرّق المنطقيّون بين الاستقراء التام وبيـن الاستقراء الناقص، وبين الاستقراء المعلل وغيره، فكما أنّا لا نشاهد إلاّ بعض النيران، ومع ذلك نقول: كلّ نارٍ حارّةٍ، أولا نشاهد إلاّ بعض أقسام الضرب، ومع ذلك نقول إنّ الضرب أمرٌ غير محبذ، كذلك بالنسبة إلى فلسفة التاريخ لوحدة الطبيعة الإنسانية من جهات متعدّدة، فإنّها تكمن خلف اختلاف الشعوب، وتمايز ألوانها وعوائدها، ومن ثمّ فمن النتائج الكلّية المستخلصة من مادّتها المحدودة يمكن أن تطبّق على غيرها من المجتمعات.
مثلاً: إذا رأينا أنّ الشاب له قوّة الاندفاع، فإنّه لا يحتاج الأمر إلى أن نشاهد كلّ شابٍّ شاب. بل إذا رأينا ألوفاً من الشباب لهم هذه الخاصّية، نقول بأنّ كلّ شاب، له قوّة اندفاعية إلاّ الشاب المريض، أو ما أشبه ذلك، وهكذا إذا رأينا الشيوخ لهم هدوء، وسكينة، وعدم اندفاع، فإنّه لا يحتاج إلى أن نرى كلّ الشيوخ، بل نقول ذلك بالنسبة إلى كلّ الشيوخ؛ لاكتشاف ذلك الكلّي من عشرات المئات من الشيوخ الذين شاهدناهم، وكذلك الحال في كثير من القضايا مثل قولهم: الربا شرارة الحروب، والخمارون ينتهون إلى أمراض القلب، والمدمنون للمخدّرات ينتهون إلى ضعف الأعصاب، إلى غير ذلك من القضايا الكلّية التي لا اختلاف فيها إطلاقاً، مع أنّ التاريخ العالمي لدى معظم فلاسفة التاريخ كانت أبحاثه مركَّزة على مجتمعات معيّنة وأزمنة معيّنة، لأنّ الإنسان ليس في طول الزمان من أوّل الخلقة إلى آخرها، ولا في سعة الأمر من الناس الذين هم في عصره من الأشخاص المتشتّتين في شرق الأرض وغربها.
وعلى هذه الأمور تترتّب كلّ القضايا باستثناء الضروريات الحسابية، أو الرياضية، أو ما أشبه ذلك، كالطبّ، والهندسة المعمارية، والمحاماة، والقضاء، وألف علم وعلم، كلّها حاصلة من مثل تلك المفردات.
نعم، العلوم الضرورية كالحساب، والهندسة العلمية، وبعض مسائل الفيزياء، والكيمياء، وما أشبه ذلك هي من الضرورات بحيث لا تحتاج إلى جمع المفردات الكثيرة وإلاّ فالعلوم التجريبيّة كافّة بحاجة إلى جمع المفردات الكثيرة حتّى يكتشف منها السرّ العامّ، والفلسفة الجامعة لكلّ تلك المفردات في المنحى الذي قصده العالم.
يسلمووو سكران
يسآـموَ أميرةَ ع آلمرورَ
وَدي